عملاً بمبدأ “يلي إلكن إلنا وإلكن” خاض رئيس الحكومة حسان دياب معركة تعيين محافظ جديد لمدينة بيروت، بعدما أضاء له مستشاروه على أهمية وضع اليد على هذا المنصب، الذي يمكّنه من الدخول الى الساحة السنيّة من خلال خدماته، وخلق شعبية داخل الطائفة تسمح له بتعزيز مكانته داخل نادي رئيس الحكومات السابقين، متى دقت الساعة.
غيرَ أنّ حسابات حقل دياب لم تتطابق وبيدر الواقع، حيث وجد في مواجهته عدواً صلباً وعنيفاً وشرساً، هو التيار الوطني الحر، ومن خلفه الرئيس عون، الذي نجح في “التسلل” الى مطرانية بيروت مشكلاً رأس حربة هجومها ودفاعها، جاراً معه كل “أرثوذكس سوريا” في لبنان، الذين احتلوا صدارة صالون مطرانية بيروت، بعدما غابوا عنه لسنوات.
الموقف البرتقالي سمح لرئيس الجمهورية الدخول مباشرة على الخطِّ واضعاً يده على الملف مرتكزاً الى ثابتة لا تقبل الأخذ او الردّ، لطالما طالبنا بإستعادة الحقوق المسيحية، فكيف لنا أن نرضى اليوم بالتفريط بموضوع محافظة بيروت او تسليمها.
موقف كان كفيلا بلقاء جمع الجنرال بالمطران في بعبدا، بعد طول صراع، لم يوفّر خلاله متروبوليت بيروت فرصة إلّا وانتقد فيها بقسوة العهد ورجاله، معلناً وقوفه الى جانب الثوار والثورة.
العالمون ببواطن الملف يؤكدون أن المطران عودة خرج من القصر الجمهوري مرتاحاً، بعدما سمع كلاماً واضحاً ودقيقاً من “بيّ الكل”، يؤكد على أن “كسر” مطرانية بيروت وهضم حقوق الطائفة لن يحصل، حيث جرى الاتفاق على اسمين يتم اختيار أحدهما، مع اصرار الطرفين على الانفتاح على إسم توافقي بعيداً عن المزايدات والشعبوية، على ان يتولى الرئيس عون ايجاد المخارج بعدما بات الامر له في هذا الملف.
الى جانب موقف رئيس الجمهورية فوجئ سيد السراي، بالحشد الذي شهدته مطرانية بيروت، ووقوف دمشق على الحياد، بل ان “الخلاف” السياسي بين مطرانية بيروت والبطريركية في دمشق لم يجد له ترددات في هذا الملف، خلافاً لما حاول البعض اظهاره واللعب عليه فجاءت “سلتهم فاضية”، بعدما تماهت مواقف البطريرك اليازجي مع المطران عودة بل تبنتها، ليزيد من طين “ورطة” السراي بلة بيان منقوص حول اتصال بالبطريرك اليازجي، فكانت “الخطيئة المميتة” التي قصمت ظهر بعير مشروعٍ ولد ميتاً.
هكذا وجد فريق مستشاري رئيس الحكومة نفسهم في ورطة، تستوجب التحرك حفاظاً على ما تبقى، فكان القرار بإعلان بترا خوري انسحابها من السباق فاتحة الباب أمام الحل وفقاً للقاعدة التي ارساها رئيس الجمهورية، الذي قرر طرح الموضوع على جلسة الحكومة في الوقت المناسب بعد ترتيب كل الاجراءات واستكمال الاتصالات، خصوصاً لجهة تأمين مركز يحفظ للقاضي شبيب كرامته، بعدما ثبتت براءته من كل ما سيق بحقه من ملفات باطلة ومفبركة، وكشفت الجهات التي تقف وراءها.
مصادر متابعة اشارت الى انه لم يكن من مصلحة أحد أن “يجرب” المطران عودة، او يحاول ضربه وتحجيمه، الامر الذي لن تقبله الطائفة، والكثير من اللبنانيين الذين يرون فيه رمزاً وطنياً لطالما رفع الصوت في وجه الاحتلال والظلم، وصولاً الى دعمه العلني والمباشر للثوار والثورة.
وتابعت المصادر، أن معركة محافظة بيروت تأتي بعدما طفح الكيل من تلك السلطة التي استفادت من الفراغ الذي خلّفه عدم وجود “قائد سياسي” للطائفة، ما جعل الجميع “يمد يده الى صحنها”، وما تجارب الوزيرتين صفدي وعدرا الا دليلين صغيرين، ناهيك عن عشرات التعيينات في كل الاسلاك التي جرى تخطي المطران عودة.
واعتبرت المصادر أن المطران عودة كان يملك كل الوسائل والاسلحة الضرورية للمواجهة والتي تضمن له الانتصار، من الكلمة والوعظة الى النزول الى الشارع الى جانب الثوار، لذلك كان عقلهم مخرب لو جربوه، ولكان انقلب سحرهم عليهم، مشيدة بالمواقف التي اتخذها التيار الوطني الحر والتي فتحت كوة في جدار العلاقة غير السوية مع مطرانية بيروت آملة بمزيد من التعاون مستقبلاً.
وحول تدخّل سوريا ومحاولتها الضغط ضد متروبوليت بيروت لتصفية حساباتها التاريخية معه، أبدت المصادر اعتقادها أن اي محاولة من هذا القبيل لم تكن لتنجح في ظلَّ الالتفاف والاجماع حول المطران عودة الذي أحرج الجميع وجعلهم يعيدون حساباتهم.
المصدر:”ليبانون ديبايت“