لم تَعثر الدولة على حلٍّ لوقف مسلسل تهريب مادة المازوت من لبنان بإتجاه سوريا إلّا رفع سعره.
هي خلاصة تقدّمَ بها أحد كبار المسؤولين الأمنيين في البلاد على طاولة المجلس الأعلى للدفاع كـ”إقتراح حلٍّ” في إجتماعه الأخير الذي ناقش القضية ما تسبّب بموجة استهجان واستغراب عمّت وجوه الحاضرين.
المعركة التي خيضت على أكثر من جبهة من أجل تمكين الدولة من استيراد “الديزل أويل” وبالتالي القضاء على ظاهرة إحتكار “كارتال المازوت”، تكاد توشك على التوقّف بفعل تضارب المصالح بين “الكارتال” ممثلاً بالمحتكرين السابقين للمادة، وبين الوافد الجديد أي الدولة، ما يُهدد بإعادتنا سنوات ضوئية إلى الوراء.
هل هي أسباب تعود بالخدمةِ على “الكارتال” نفسه الذي لم يترك طريقة إلا وحاول استغلالها بغية “تفشيل” عملية الاستيراد من قبل الدولة مستعيناً بنفوذ البعض، أم أن للأسباب صلة بعملية شدِّ الحبال السياسية الجارية على الطاولة؟
المرجعُ الأمني بنى موقفه نتيجة إنخفاض سعر المازوت بعد الدعم الذي تلقاه من الدولة، وترافقه مع إنهيار حاد بسعر صرف الدولار أمام الليرة، ما أوصل سعر “تنكة” المازوت إلى حدود الدولارين (8800 ل.ل) لا غير! وبذلك خلُصَ المرجع إلى اقتراح رفعِ سعر بيع المازوت بما يوازي السعر الرسمي السوري بشكل يؤدي تلقائياً إلى القضاء على التهريب ومن دون بذل أيّ جهد سواء أمني أم سياسي.
هذه المعادلة بتوازن الأسعار قلبت استراتيجيات المهرّبين رأساً على عقب. فبينما كان تهريب المازوت سمة شائعة من سوريا الى لبنان طوال عقود خلَت، نشهدُ اليوم عكس ذلك نتيجة تفاوت ميزان السعر بين البلدين، مع ما يترتب عليه من استنزاف خزينة الدولة وفتح سوق موازية، أشبه بسوق صرف الدولار.
وبينما تركَ المسؤول الأمني الباب موارباً لرفع سعر الصفيحة تاركاً التفاصيل من صلاحية مجلس الوزراء مجتمعاً، أسر مرجع بارز لـ”ليبانون ديبايت” أن الإقتراح في حال طُبّق وأصبحَ سارياً، قد يُعيد أسعار المازوت إلى سابق عهدها، أي ما لا يقل عن 20 ألف ليرة لبنانية للصفيحة، ما يعني عملياً نسف ما سعت إليه الدولة في الأساس، أي دعم المادة وتخفيض سعرها، وإحلال مكان ذلك “ضريبة” تُقدّر بـ10 آلاف ليرة على الأقل!
ولعلّ المرجع قد وجدَ نافذةً من أجلِ تقديم طرحه، مرتكزاً على جملة معطيات، منها الاتفاق شبه الكامل بين جميع الافرقاء على ضرورة وقف التهريب، وصعوبات إن كان على صعيد التنسيق الأمني مع سوريا والذي لن يفي بالغرض والتجارب السابقة خير دليل، أو لجهة عدم وجود حماسة لخلق تنسيقٍ سياسي على مستويات رفيعة نتيجة حسابات رئيس الحكومة.
وفي وقتٍ تنخفض فيه أسعار النفط في العالم بشكلٍ جنوني، رأى البعض صوابيّةً في إقتراح رفع سعر المازوت “اللبناني” لكونه يفي بغرض “فرملة” المهربين، لكن في المقابل سيفتح قرار مماثل جبهة إعتراض شعبية واسعة لن يتمكن أحد من مواجهتها. ما يزيد الأمور تعقيداً أن حكومة حسان دياب بالتحديد مع ما تعانيه، هي المولجة إتخاذ القرار برفعِ السعر!
أمرٌ من هذا القبيل في حال حصل سيضعُ الحكومة “الهشّة”، بموضع مواجهة الشارع المنتفض الذي يبحث عن أسباب لزيادة نسب ممارسة “القهر” بحقها ورفع منسوب استهدافها.
بَيد أنّ أكبر المشكلات لا تقتصر على ذلك، بل في تولّد شعور لدى فريق سياسي وازن، من أن الإقتراح المذكور، قد يكون أتى في سياق إحراج رئيس الحكومة أو أنه يستبطن في طيّاته أسباباً أخرى، أي أن إقتراح رفع السعر على طاولة مجلس الوزراء، وفقاً لما هو مقدم، يكاد يكون أقرب إلى “لغم” انشطاري مزوّد بصاعق حساس، فور ملامسته من جانب الحكومة سيفجر بها وستتوزع أضراره على نطاقٍ واسع.
وما رفع درجات الانتباه والتعامل مع الاقتراح بحذرٍ شديد وصل الى حدّ الاعتراض الكامل عليه من جانب الحكومة والثقل المتمثّل فيها تحديداً، أنّ العلاقة بين المرجع الأمني ورئيس الحكومة -كما يُحكى- ليست كما درجت العادة أن تكون بين رجل أمن ورئيس مجلس وزراء، بل كانت درجتها أعلى خلال تولي سعد الحريري رئاسة الحكومة.
أمرٌ من هذا القبيل يُشرّع الأبواب على وجود أكثر من تداخلٍ على خطِّ الإقتراح.
المصدر:”ليبانون ديبايت“