يقرع الجوع أبواب منازل كثيرة في صيدا، ويحاصر الغلاء أبناءها بمختلف الاتجاهات. تزداد وطأته في شهر رمضان، وتمرّ الأيام الأربعة من الحجر المنزلي ثقيلة على كاهلهم، مع وقف العمل والبحث عن تأمين لقمة العيش، في سبيل مواجهة “كورونا” مجدداً لمنع انتشاره. غير انهم يقفون عاجزين عن منع تفشّي الفقر المُدقع، فالقرار ليس بأيديهم بعد الانهيارات المالية والاقتصادية المتتالية والتلاعب بسعر صرف الدولار الاميركي من دون رقابة جدية.
ما يُثير غضب أبناء صيدا، فوضى الغلاء التي تدور في حلقة مفرغة. كلّ يُلقي بالمسؤولية على غيره، لم يستوعبوا بعد أسباب ارتفاع منتجات محلية كثيرة من دون أي مبرّر سوى الطمع بالربح الوفير بلا رقيب أو حسيب، ناهيك عن تأخّر خطة الطوارئ الرسمية التي تمشي ببطء كالسلحفاة، وفق محمد شعبان الذي قال بسخرية لـ”نداء الوطن”: “لم نعد بحاجة الى مشاهدة المسلسلات الرمضانية، لأننا نعيشها اليوم حكايات واقعية أشبه بالخيال ولم نكن نتوقّعها، معها بدأت صيحات المواطنين ترتفع احتجاجاً على انتشار الفقر والغلاء المعيشي والتقشّف الإجباري، وكلها تُنذر بانفجار اجتماعي قريب، ندعو الله ان يرفع عنّا البلاء والوباء في هذه الأيام الفضيلة من شهر رمضان المبارك، لأننا لم نعد قادرين على التحمّل مع الإهمال والتقصير”.
وما فاقم الأزمة وزاد الطين بلّة، الإقفال القسري مجدّداً، وتؤكد الناشطة الاجتماعية أمينة بلطجي أن “إغلاق البلد ليس الحل، احجزوا القادمين من الاغتراب ومن خالطوهم، وعاقبوا من يُخالف الحجر ولو بالسجن، واتركوا الفقراء يعودون الى أعمالهم”، بينما تقول عبير سنجر: “عنجدّ سنة 2020 سوداء، كورونا وغلاء الاسعار ووضع البلد المنهار اقتصادياً وجاءت موجة الصراصير، عنجدّ ما بقى يحمل، تحمّلنا فوق طاقتنا”.
فيما أكد عضو اللجنة الوطنية للأمراض السارية والمُعدية الدكتور عبد الرحمن البزري أن “هناك غياباً لرؤية واضحة للحكومة”، معتبراً أن “التدخلات السياسية التي حصلت، والحشد في الطائرات وعدم المتابعة الجدّية للحجر المنزلي من قبل البلديات هو ما جعل عدد الإصابات يزيد”، معتبراً اننا “ما زلنا في الموجة الاولى والامور لا تزال مقبولة، لكن المهمّ ان نتعلم من الخطأ ومن عودة المغتربين ووضع آلية جديدة للإجراءات، فاللبناني لا يتقيّد بالانظمة ولذلك من واجب الدولة ان تمنعه من تخطّي القوانين، وفي حال وُضعت هذه الآلية تكون هذه الأيام الاربعة مناسبة للإنطلاق من جديد”.
في المقلب الآخر، قدّمت صيدا نموذجاً مميزاً في الالتزام بالتعبئة العامة بالرغم من كل التداعيات السلبية لها، وفي “التكافل الاجتماعي” وتضامن الايادي البيض لمواجهة خطر “كورونا“، في ظل ضائقة اقتصادية ومعيشية صعبة، عبّر عنها سابقاً رئيس البلدية محمد السعودي الذي أكد أن “صيدا نجحت كبلدية وفاعليات وجمعيات أهلية في أن تكون يداً واحدة لمواجهة “كورونا“، وإن شاء الله يزول هذا الوباء سريعاً”، مُطلقاً حملة الإغاثة عبر القسائم الشرائية، وكرّرها اليوم مختار “حي الدكرمان” محمد بعاصيري: “بكل صدق ومحبة اطلب من الأخوة الاثرياء زيارة منازل أهلنا المحتاجين ولكم الشكر سلفاً”، قبل أن يُضيف “جميع المسؤولين يصرّحون بأن الحرامية كثر ولكن نعتذر عن ذكر اسمائهم، طبعاً جميعهم مدرسة واحدة”.
ميدانياً، وفي يوم الجمعة والثاني للإغلاق التام، بدت صيدا مدينة مقفرة، توقّفت عجلة الحياة فيها الا لمن سُمح له بالاستثناء، ولفّ الصمت أحياءها وخلت شوارعها وطرقاتها الرئيسية من حركتها المعتادة.
وأقامت القوى الامنية حواجز ظرفية في أكثر من مكان، وسيّرت دوريات لمراقبة مدى الالتزام وتحرير محاضر ضبط للمخالفين.وعلّقت صلاة الجمعة في المساجد التزاماً بتوجيهات دار الفتوى الاسلامية، وذلك بعد اسبوع واحد على رفع تعليق صلاة الجمعة وحدها، من دون باقي الصلوات الجماعية والتراويح، وصدحت من المساجد آيات الذكر الحكيم قبيل آذان الظهر، مع إقفال ابوابها وغياب المصلّين.
اما في صيدا القديمة، فاقتصرت الحركة فيها على تنقّل مواطنين في أحيائها لتأمين حوائجهم من الطعام والشراب. ونظّم المسحّراتي محمود فناس عباس قطيش، بالتعاون مع فرقة السيف والترس “في الزاوية الرفاعية” و”جمعية الكشاف المسلم” جولة ميدانية من ساحة “ظهر المير”، تخللتها مدائح نبوية واللعب بالسيف والترس على وقع قرع الطبول، وسط اجراءات الوقاية من كمامات وكفوف، وصفها أبناء المدينة بالضرورية ومن صلب الأجواء الرمضانية التي تُقام في نهاية شهر رمضان، خصوصاً وأن هذا العام مرّ منقوصاً، ولم يترافق مع إحياء أي نشاطات دينية داخل المساجد المقفلة، أو إحياء السهرات الرمضانية في الساحات والمقاهي والخيم كما درجت العادة، مما أدخل الفرح والبهجة الى الناس، وهم في بيوتهم.
المصدر:”نداء الوطن“