عقدة المواصلات.. “براءة إختراع” تُسجل بإسم حزب الله!

على الطريقةِ اللبنانية، يُحاولُ عُتاة السياسة المرور على مسألة إعادة ترتيب العلاقة مع سوريا. بالطبع هُناك مجموعة فِرقٍ لاشيء يجمعها إلّا “النقار” ليس أكثر، وفي كل مرة يُطرح موضوع يحمل جدوىً اقتصادية الى لبنان تخرج أصوات الاعتراض عليه.

القصةُ تكمن دائماً في “عقدة المواصلات” على خطِّ البعض الذي ما برحَ خانة الماضي، الرافضُ كلياً لتوسيع مندرجات العلاقة مع سوريا لاعتبارات سياسية متنوعة رغم علمه يقيناً في أنّ في توسيع العلاقة فوائد عدة تنسحب على لبنان.

وفي زمن الكساد الحالي، المُستهجن أنّ البعض يروّج لاستدراج المساعدة من الخارج البعيد بينما في إمكانهم جَنيها من دولة لا تبعد سوى مرمى حجر.
عندما طرحَ أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله موضوع ترتيب العلاقة مع سوريا لجدوى اقتصادية، خرج البعض عن طوره ليبدأ برسم سيناريوهات خلف الدعوة وربطها بأجواءٍ أو دوافع سياسية تمرُّ عبر الإقليم من دون الأخذ في الإعتبار أنّ هناك أناساً قد سبقوا نصرالله في طرحه ولم ينالوا كل هذه الضجة!


في الحقيقة، مسألة ترتيب العلاقة مع سوريا ليست “براءة إختراع” تُسجل بإسم أمين عام حزب الله وإن كان يُعدّ أكبر راعٍ لها على المستوى الداخلي، بل هي نتيجة حراك سياسي داخلي في الصالونات وخارجها، تَفاعلَ تحت وطأة الأزمة الاقتصادية.
يُسجَّل للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أنه من بين الأشخاص الذين تجاوزوا الأسباب السياسية وتقدموا باتجاه الدعوة إلى “تمتين علاقات لبنان مع محيطه”.

صحيح أنه لم يشر إلى سوريا بالاسم، لكنّ العبارة “الفضفاضة” واضحة. الكلام الذي قاله خلال عظة الأحد ما زال يتردّد صداه وقد أخذه البعض كسند لبناء تحركهم عليه.
طبعاً، لا بدّ من دخول تقاطع مصالحٍ على المسألة، فالسيد نصرالله ينطلق من توجّهٍ لترتيب شاملٍ للعلاقة مع سوريا على نحو يعيد الانتظام إلى مجموعة كبيرة من الاتفاقات الزراعية والتجارية الموقعة، يُشاطره الرأي حشدٌ من أبناء خطِّه السياسي وممّن لا يدورون في فلكه حتى.


نظريةُ نصرالله تقوم على تعاونٍ تجاري شامل، يتعدّى ذلك استيراد المواد الغذائية الأساسية من سوريا كمساهمة في التخفيف من حدّة الازمة الاقتصادية وفتح باب التصدير. فريق آخر ليس من صلب التحالف مع نصرالله لديه نظرية أوسع وأشمل، يدعو إلى “تحرير الحدود” بين البلدين، ما يسمح في البداية بتبادل الاستيراد والتصدير بعد إحالة القوانين الجمركية بين البلدين إلى التقاعد، ولاحقاً يأتي الدور على الإعداد لرسم خطط حول إنشاء سوق تجارية مشتركة بين البلدين.


يُدرك حزب الله جيداً، كما الفريق “الملوّن” الذي يَجد مصلحةً في ترتيب العلاقة اللبنانية السورية، أنّ الموانع التي حالت دون التوجه الى سوريا في زمن حكومتيَ سعد الحريري السابقتَيْن ما زالت هي نفسها، بل زادت عليها مخاطر دولية مترتبة عن مشاريع قوانين العقوبات الأميركية، “قيصر” وغيره.


ثمَّ إنّ الشروط المطلوبة لترتيب العلاقة الآن بين البلدين اختلفت عن الزمن الذي كانت فيه حكومة الحريري مسيطرة. يكفي وجود النية وليس هناك من داعٍ مثلاً لزيارة رئيس الحكومة حسان دياب دمشق وإبرام اتفاقية.
أصلاً، دياب ليس في هذا الوارد الآن لشدَّة اهتمامه بالمسائل المترتبة عن الأزمتَيْن الكورونية والاقتصادية التي تسلبه كل وقته، وطالما أنه يتمتع بفريق وزاري متجانس ليس ثمّة إعتقاد في أنه يُعارض توكيل أحد الوزراء الاضطلاع بملف ترتيب العلاقة ما دامت زيارات أحدهم مؤخراً لم تُثر زوبعة ردود فعلٍ على طاولة مجلس الوزراء.

في الواقع، أنّ البعضَ في دوائر القرار السياسي، بدأ يفكر ملياً في مدى الجدوى من ترتيب العلاقة، وثمّة براغماتية واضحة في قراءة الصورة تتجاوز حدود الخلافات السياسية.
والنقاشُ دخل فعلاً، مساراً رسمياً حين فُتح للمرة الاولى على طاولة المجلس الأعلى للدفاع في الجلسة ما قبل الأخيرة، ثم أعيد التلميح اليه والخوض به بمستوى أقل خلال الجلسة الماضية تحت عنوان إعادة استنهاض ورشة ترتيب العلاقة مع سوريا. هذا الكلام كان مصدره واحد من كبار المراجع القضائيين في البلاد، الذي تولّى تقديم ما يشبه “الاطروحة” أذاعها على مسمع الحاضرين مفنِّداً كل نقطة فيها، مبيَّناً مدى الإيجابيات التي ستنعكس على لبنان فيما لو اتّخذ القرار بالتنفس من الرئة السورية.


بنى المرجع نظريته على لغة التاريخ والجغرافيا والضرورات الحالية وشدّة الارتباط بين البلدين، ومع الوفر الحاصل في سوريا على صعيد المواد الأساسية، سيّما الغذائية منها ومدى جودتها مقارنة مع أصناف أخرى، وملاءمة سعرها للسوق اللبناني الذي يأنّ تحت هول ارتفاع الدولار، وقد أفرغ ما في جعبته داعياً للتفكير في مدى جدوى فتح الحدود بين البلدين وإحالة القوانين الجمركية إلى التقاعد.


إرتفاع مستوى التهريب بات دافعاً لأكثر من طرفٍ لإعادة التفكير في فتح الحدود مع سوريا. المصادر الأمنية تضيء على ظاهرة استيراد المواد الغذائية من سوريا عبر التهريب وارتفاعها خلال الفترة الاخيرة مقارنة بالأعوام السابقة. يصبح الأمر مفهوماً حين يجري استطلاع الأسعار والفوارق بينها وبين المواد الموجودة في السوق اللبناني.


من هنا، ينطلق أكثر من طرفٍ في مشروع ترتيب العلاقة، لماذا يترك سوق التهريب مشرّعاً في وقتٍ بمقدور الدولة اللبنانية قوننته من بوابة عمليات استيراد المواد التي يحتاجها السوق اللبناني من سوريا وبالليرة اللبنانية؟

يقول أكثر من مصدر أن هذا الشرط توفِّره سوريا، وما على الحكومة اللبنانية سوى اتخاذ قرار شجاع في القبول.
وبما أن كافة الاجهزة الأمنية تُجمع على استحالة تأمين تغطية شاملة على الحدود في الشمال والبقاع يبقى الحلّ الأمثل لوقف التهريب عبر رفع مستوى التنسيق الأمني مع دمشق.

المصدر:”ليبانون ديبايت