التواصلُ منقطعٌ تمامًا بين رئيس الحكومة حسان دياب وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
في الوقت الراهن يتولّى وزير المال غازي وزني مهمّة توحيد “اللغة” بين أركان الدولة اللبنانية في مخاطبة صندوق النقد الدولي تمهيدًا لجولة التفاوض الثانية المقرّرة يوم الاثنين المقبل.
وصفت صحيفة “لوموند” الفرنسية في عددها 5 أيار رياض سلامة بالمُشعوذ الذي أفلَسَ الدولة وسبّب انهيار العملة الوطنية”، قائلة “أن الساحر بات بنظر اللبنانيين المهدّدة ودائعهم بالتبخّر، كمشعوذ متدرّب أفضت هندساته المالية التي تحدّت قوانين الجاذبية المالية إلى أزمةٍ بأبعادٍ كارثية، يلخّصها رقمٌ “فلكي”: 68 مليار دولار خسائر تراكمية للقطاع المصرفي، منها 50 مليار دولار عائدة للمصرف المركزي و 18 مليار دولار للمصارف.
وتحدّثت الصحيفة “عن الترقيعات الذكية والابتكارات المشينة وانعدام الشجاعة، ما أدّى إلى ولادة وحش. ويتحمّل حاكم مصرف لبنان المسؤولية عن هذه الكارثة مع الطبقة السياسية المعروفة بإهمالها وفسادها، لكن مسؤوليته أكبر بوصفه عقل السياسة النقدية”، لافتة الى أن سلامة “لم يُجِب على الاسئلة التي أرسلتها له لوموند”.
سلامة حاكم المصرف المركزي منذ أكثر من 27 عامًا يُكمِل مدة ثلاثة عقود على رأس الحاكمية بعد انتهاء ولايته الممدّدة في أيار 2023. صاحب أطول ولاية لحاكم بنك مركزي في العالم لم يعد مرغوبًا به. وكثرٌ يجزمون أنه لن يكمل الولاية الممدّدة… والبديل جاهز!
باختصار، ومن دون تجميلٍ للواقع، ثمّة حالة شاذة تظلّل مرحلة عبور الدولة من الإفلاس الى “أخذ الانفاس”: في القصر الجمهوري والسراي الكبير وفريق في وزارة المال إقرار لا لبس فيه: نحن أمام حاكم يتنفّس “كذبًا” وما يقوم به “خيالي”. هو يتحايل على الدولة رافضًا الاعتراف بأن “مصرف لبنان” راكم خسارات هائلة في السنوات الماضية تتجاوز الـ 44 مليار دولار وأدرَج في ميزانيات مصرف لبنان خسارات تحت بند “أصول أخرى”، و”زبائنه” من الدولة والمصارف في حالة إفلاس، كما مَنع الدخول الى حسابات المصرف والعمليّات والهندسات التي ساهم بها.
أما “المشكل” الأساس لرئيس الحكومة مع سلامة فقائم على معادلة: تقول أن خسائرك مدوّرة وستعوّض في المستقبل، وهذا يعني أنك لست “مكسورًا”. إذا تدخّل، بما لديك من احتياط، في سوق القطع للجم ارتفاع سعر الدولار وزوّد المصارف بما يمكن أن يخفّف من مأساة المودعين التي ترتقي الارتكابات بحقهم الى مستوى الجريمة”.
رياض سلامة لم يفعل لا هذا ولا ذاك، وهو يَعِد مع المصارف بخطة “مواجٍهة” لخطة الحكومة أمام مرأى العالم وصندوق النقد، فيما مدير العمليات النقدية في المصرف موقوف قيد التحقيق بتهمة التلاعب بسعر الدولار في سابقة لم تعرفها الجهورية اللبنانية في تاريخها. يقول مطلعون أن أحد مستشاري رئيس الحكومة قال للحاكم بالحرف الواحد “أنت تضحك علينا”.!
ثمّة إجماع من هذه الأطراف أن “ليس هناك بنك مركزي في العالم يخفي أرقامه، وبأفضل الأحوال لا تعرف الدولة الرقم الدقيق للخسارة، وقيمة الاحتياط والمتوافر من السيولة. هي مجرد تقديرات وهذا بحدّ ذاته فضيحة “.
وفي المؤتمر الصحافي الأخير للحاكم سُجّلت عدّة “سقطات” مثل قوله بأنه سلّم رئيس الحكومة كشفًا بالحسابات وجردة بالعمليات التي أدارها مصرف لبنان وهو لم يفعل ذلك، بل سلّم رئيس الجمهورية ورقة بخط اليد”.
والأفظع، برأي هؤلاء، تأكيده أن أي مبالغ فوق الـ 150 مليون ليرة خاضعة لقرار من المجلس المركزي، وهذا كذبٌ موصوف كون صلاحية المجلس هي مناقشة السياسة النقدية فقط. مع العلم أنه بالتزامن مع قيامه بالهندسات المالية توقفت شركتا التدقيق المالي “Ernest and Young وDeloitte” من يومها عن المصادقة على ميزانيات مصرف لبنان. واليوم هناك دولة تنتظر نتائج التدقيق المحاسبي الذي سيجري للمرة الاولى في موجودات المصرف من قبل شركات “Kroll” و “KPMG” و”Oliver Wyman”.
تُقرّ أوساطٌ رسمية أن “حربًا غير نظيفة مسؤولة عنها المصارف ومصرف لبنان، مع أدواتهم الترويجية، تصوّر الخطة المالية للحكومة بأنها السيف الذي سيقطع رأس القطاع، وهذا أمرٌ منافٍ للواقع. فالخسارة محققة لدى المصارف وعدم توصيفها والإقرار بها سيؤدي الى تراجع صندوق النقد عن قراره بالتفاوض معنا على قاعدة “إذا ليس هناك قطاع مصرفي متعثّر ودولة مفلسة فلماذا تطلبون المساعدة”، مضيفة “إذا خسارة المصارف أكبر من رأس المال، وهو واقع قائم ومثبّت، والخطة المالية أتت لتكشف هذا الواقع فهل تكون المسؤولة عن المسّ بالقطاع في وقت يتعرّض فيه المودعون بالمصارف الى أبشع عملية هيركات في العالم، فيما خطة الحكومة لم تتحدّث إطلاقًا عن هيركات”.
وتضيف “أن الاعتراف بالخسائر السابقة التي تراكمت على مصرف لبنان، والخسائر المتوقعة بعد إعادة هيكلة الديون السيادية، هي الخطوة الأولى في الإصلاح الشامل للنظام المالي اللبناني، وهو ما ورد ضمن الخطة المالية”، مؤكدةً أن “الخطة تتّبع نمطًا متعارف عليه دوليًا في توزيع الخسائر قائم على تحميل المصارف ومصرف لبنان الجزء الأكبر منها، وهي مقدّرة لدى المصارف بـ 20,9 مليار دولار وذلك قبل النقاش في إشراك كبار المودعين (رئيس الحكومة أشار الى نسبة 2% منهم)، كما أن الخطة لا تتضمّن اللجوء الى الخصخصة عبر إنشاء صندوق توضع فيه أملاك الدولة لتمويل جزء من الخسائر”.
وتجزمُ الأوساط في هذا السياق أن “كل سياسة الضغط والتهويل من جانب المصارف ومصرف لبنان لن تدفع رئيس الحكومة الى الاستقالة ولا وزير المال الى البكاء على الأطلال ولا أعضاء الفريق الذي ساهم في إعداد خطة مالية مع “لازار” نالت إشادة من دول العالم الى الذهاب الى بيوتهم”، مؤكّدة أن “فشل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي سيكرّس إفلاس المصارف فيما الخطة تسعى ببساطة الى تأمين مليارات الدولارات لمداواة الاقتصاد ووقوف المصارف مجددًا على رجليها”.
المصدر:”ليبانون ديبايت“