الميزةُ التي امتلكها فريق حلفاء حزب الله في الارتباط الشديد بصلة الرحم يكاد يخسرها اليوم لمصلحة بروز عوامل تنافرٍ تسود بين صفوفه. ترى الحلفاء يقفون في الصفِّ لدخول حَلبة “التباطح” في صراعاتٍ لا طائل منها أو نهاية لها، نشأت إمّا على المصلحة أو إختلاف الدوافع السياسية، وتكاد الروابط بينهم تضيع بين “كباش الحكومة” و “صراع الموارنة”.
إنها الفوضى التي اقتحمت حديقة حزب الله الخلفية، أبطالها “عُتاة سياسة” صرفوا أنظارهم عن كل تداعيات الانهيار الماثلة أمامهم، وأقاموا مفاضلتهم على إحتسابِ نقاط الربح والخسارة. وفي وقتٍ الحزب أحوج ما يكون إلى ترتيب الوضع الداخلي الهش، نجد أن البعض لا يكترث إلا لافتعال المشاكل وإثارة غبار يتصاعد من حفلات جنون “ديوك الموارنة”، ما يؤدي إلى إرباك الحزب وإشغال تركيزه عن القضايا المهمّة لمصلحة قضايا سخيفة.
والحزبُ لا يحتاج في هذه المرحلة تحديداً، وفي ظلِّ وضعٌ محلي وإقليمي متخبط، إلى الخوضِ في مشاكل الحلفاء وتبديدها وترك مشاكل البلد لتستغلها دول لديها مصالح عائمة على السطح اللبناني. مؤذٍ هذا الواقع الذي يُجبر الحزب أحياناً إلى التفرّغ لتصريف ومعالجة شؤون خلافات حلفائه وبالكاد يقدر بكل حظوته السياسية الداخلية وامتداده الإقليمي العسكري الأمني على ضبط فلتانهم!
يراقب المسؤولون في حزب الله بألم ما يجري بين حليفيهما، جبران باسيل وسليمان فرنجية. وصل الأمر إلى “نهش لحم” بعضهما على المنابر، وكل ذلك من أجل كرسي رئاسي ما زال شاغلها الحالي حياً يُرزق وقبل انتهاء مدة الرئاسة الحالية بسنتين. واقع بات الحزب فيه أحوج إلى إفتتاح مكتب “معاونية جهادية” موكلة تنظيم شؤون المشاكل اليومية بين الحلفاء وإيجاد حلول لها.
في الوقتِ نفسه يحرص الحزب على عدم إقحام نفسه في ما يجري إلّا في حالة خروج الخلاف من عقله، لو أنه ممتعض كثيراً من المشهدية التي لم يألفها قبل أيام. كان الحزب يفضل أكثر أن يمضي الخلاف بين حليفيه إلى القضاء حيث كان يُمكن معالجة القضية ضمن الاطر القانونية بدل المبادرة إلى الذهاب نحو السقوف المرتفعة من خلال الاعلام.
وبخلاف كل ما تردد، لم يضطلع حزب الله بأي دور “تهدوي”، لا قبل المؤتمر الصحفي لسليمان فرنجية ولا بعده، وفي الحقيقة أن الحزب قد غادر موقع “حل الخلاف ذو الطابع الرئاسي الحاد” بين حليفيه منذ مدة وقد تركهما عالقين، ومرد ذلك إلى تجاهلهما الدائم لوساطاته!
يفضّلُ الحزب الابتعاد اليوم عن كل ما يجري بين حليفيه، ويحاذر التدخل في شؤونهما الداخلية أو العودة مجدداً إلى “دعوات التلاقي”، والحق يقال انهما باتا في مكانٍ آخر بخلاف رغبة الحزب الذي سلم أمره لله. لكن مع ذلك أبداً ما ترك نقطة “تنظيم الخلاف” في حال بلغ مستويات مرتفعة، فكان يتدخل “حيث تدعو الحاجة” ضمن حدود معقولة لتبريد المواقف من غير أن يسمح لنفسه بفرض أية ضغوطات من خارج أدبياته المعتمدة.
في أدبيات الحزب “عيب” طرح ملف الرئاسة الآن قبل سنتين من وضع العهد أوزاره، بخاصة وأن سيده ما زال يتمتع بكامل لياقته السياسية والجسدية ويتواجد بنشاط على رأس أعماله. هي الرسالة التي أرادَ توجيهها إلى كل من حليفيه، لكنهما آثرا تجاهل كل الاشارات طمعاً في معارك يظنان أنها ترفع من حضورهما وتعزّز من قوة اوراقهما.
في الواقع، سقط من قاموس المتحاربين أن المعركة الرئاسية لا تُحسم إلا في وقتها ووفقاً للظروف والمعطيات التي تتزامن معها، وأنهما لا يقران الآن بأن الزمن لم يحن للمعركة الرئاسية بعد، كيف ستمضي إلى خوض معركة رئاسة في بلد يتشظى، بل السؤال الأوجب: هل ستبقى رئاسة أصلاً في بلد يتمزق على أزيز رصاص الأزمتين المالية والاقتصادية.
المشكلة في الذهنيات تبقى، ففرنجية يعتبر أنه يتقدّم على باسيل بالنقاط السياسية ما يخوّله افتتاح المعركة باكراً. في الواقع اختار الزعيم الزغرتاوي توقيتاً دقيقاً لهجومه. استندَ إلى حالة النفور الشعبي المتولدة من الاعتراض على سياسات العهد، فوجد صلاحية في الاستثمار بها وتقديم مساهمة في محاصرته، ويظن ربما أنه قد يجني من وراء ذلك أثماناً سواء داخلياً أم خارجياً ما يسهم في تعبيد طريقه نحو بعبدا.
لكن تفاهمات 2016 العالقة سواء في حسابات فرنجية أو غريمه باسيل قد لا تكون فعالة عام 2022. ما يجب ان يدركاه ان السياسة متحركة حيث لا شيء ثابت، وتطورات المرحلة قد تفرض نفسها على من سماهما بالأمس.
والحال الآن أن أحداً يمتلك أجوبة حول موضوع الرئاسة قبل سنتين، بل إن الواقع السياسي الراهن يفرض نفسه أو قد يفرض نفسه ربما على الجنة الرئاسية. الزمن الحالي زمن تسويات وبراغماتية زائدة وحلولٍ يبحث عنها لتجنيب لبنان مصير زمبابوي.
تجربة عون في جزئها الإقليمي والداخلي كانت مرّة، وهذا يقود إلى بحث آخر، إلى اختيار على وزن حسان دياب سياسياً كمخرج، ربما. ما يعنيه ذلك أن الرئاسة في صورتها المعروفة قد خرجت من منظورها السابق. في الواقع، الإنهيار له القدرة على فرض معادلات جديدة يجزم كافة المطلعين بقرب حصولها..
المصدر:”ليبانون ديبايت”