أَضلُع بشريَّة على معبر خليل!

التهريب سيِّد المرحلة. من حديث المجالس في البيوت إلى أولوية لدى المجلس الأعلى للدفاع في القصر الجمهوري.

كل الأجهزة الأمنية باتت مُستَنفَرة ضد المعابر. على الحمير والبغال والدراجات وعلى ظهور النساء الحوامل والأطفال الرُّضَّع يحدث هذا النزيف. ليلاً بمصابيح الكاز ونهاراً بمصابيح بعض مَن في الدولة.

كلُّ شَيْءٍ تقريباً يدخلُ إلينا عبر هذه الشرايين. بحراً وبرّاً عشرات المعابر تقتل اقتصادنا.

من ورق المحارِم وورق الشدّة وورق الغار إلى لحم الضان والخنزير والكستاليتا ولفافات التبغ والخضار والفاكهة والبنّ وهاتِ يدك والحَق بي عن كل ما يمكن أن تعدّده من صناعات غذائية وألبسة وأدوية وأدوات كهربائية وبالطبع البرازق الملتوتة سمسماً والمقرمشة حتى القضمة الأخيرة.

معبر صغير تُرِك لنا نحن المواطنين نسلكه بين أكوام الزبالة . الدولة تسهر على توضيبها في أكياس بيضاء. أكياس متناسقة في اللون والحجم ممدودة على شكل نهر أو شكل حلزوني وجاهزة لأي تقرير جديد متلفز على قناة السي أن أن.

أجمل نهر نفايات يمكن رؤيته من الأقمار الإصطناعية ومن ” غوغل أورث ” هُوَ ” مونتي غاربدج “. أخّاذ أكثر من مونتي فيديو في الأورغواي ومونتي نيغرو في البلقان.

الدولة وقّعت عقداً مع رامكو بالدولار ما لبثت أن تنصّلت منه. عمَّال الشركة مستاؤون من رواتبهم بالليرة. قريباً ونتآخى مع نفاياتنا المنزلية. وحدة حال مع بقايا لبّ الليمون وزيت دوار الشمس وأوراق الخسّ. ستسهر معنا نفاياتنا المنزلية على الشرفات. ستشكّل مع فيروس كورونا ثنائياً يؤدّي رقصة الموت ويرقّص توابيتنا كما هي الحال في غانا الإفريقية.

المعبر الأخطر الذي سلكه كل من وزيرَي الداخلية والطاقة فَهمي وغَجَر مُعَبَّد بالقمح والمازوت. الطلب على هاتين المادتين أكبر بكثير من الإستهلاك المحلي. هناك كارتيل يستورد القمح دون أن يصرّفه كله في السوق المحلي . كارتيل حرامي وغبي. لم يكلّف نفسه دراسة كميات السوق الحقيقية قبل التخطيط للسرقة. بلغة نساء الفرن، فائض القمح والمازوت يُخَزّن ويُهرَّب . يستفيد نشّالو القمح والمازوت من سعريهما المدعوم ويبيعانهما بالغالي إلى خارج لبنان.

كارتيلات تسرقُ الدولةَ والنَّاس معاً. الملايين التي تدفعها الدولة لدعم المواد الأساسية تُستَعمَل للتجارة غير المشروعة.

كارتيلات تسرقُ الدولةَ والنَّاس معاً. الملايين التي تدفعها الدولة لدعم المواد الأساسية تُستَعمَل للتجارة غير المشروعة.

معبر إلى الدولة مُزَفَّت نوعية ممتازة بالمطرقة يشقّه المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم. أوقف نهار أمس صاحب سوبرماركت في بلدة جبشيت الجنوبية لأنه تلاعب بالأسعار. جريمة موصوفة في رمضان. قبل ذلك بأيام صرّافون خلف القضبان باتوا يصرفون الوقت بدلاً من صرف الدولار.

إبراهيم مدعو إلى استكمال عمليات الحفر وتسريعها لفتح المعبر المنشود.

هامش ربح التاجر يبقى مهما استفحلَ أقل خطراً من هامش ربح الفاجِر . التلاعبُ بوطن أخطر من التلاعب بسعر فخذ ديك حَبش وعلبة جبنة مبسترة وكيلو مفرومة دَورَين. أصحاب الثروات الكبيرة استطاعوا حتى الآن الإفلات من صنّارة المدعي العام. سيتصيّدهم يوماً. عساه يَكُونُ يوماً قريباً وفَتحاً مُبيناً.

معبر أخير. مجلس الأمن الدولي يصدر نهار أمس ما يشبه تهديد ” لكل الأطراف السياسية في لبنان بالكفّ عن أي تورّط في نزاعٍ خارجي “. حدّقتُ كثيراً في مصدر هذا التنبيه: مجلس الأمن وليس جمعية مار منصور.

قبل انتهاء فترة التحديق غطّت طائرة بومبيو في تل أبيب. طائرات حربية حلّقت على علوٍّ منخفض فوق مناطق لبنانية.

ليس من عادة مجلس الأمن أن يتسلّى بإصدار بالونات إختبار. يُخشى أن يعود بلدنا معبراً للطائرات الحربية…للحَرب.

إذا تحوّلنا من جديد إلى الوطن المعبر سيكون علينا أن نعيدَ إحياءَ رفات الشاعر اللبنانيّ الكبير خليل حاوي. في العام ١٩٥٨ ومن كيمبريدج في إنكلترا أرسل قصيدته “الجسر” إلى مجلة الآداب التي كانت تصدر في بيروت.

“الجسر” عبّرتْ لطوابير حزينة من العرب المحترقين بسعير الاستعمار ولهيب الصهيونية، عن التصميم على العبور من نسْل العبيد إلى نسل النسور ومن مستنقع الشرق الحزين إلى الشرق الجديد. عود مارسيل خليفة حوّلَ القصيدة إلى أغنية.

على فوهةِ هذا المعبر إذا فُتِح، سنتحوّل مرة جديدة إلى شعبٍ يردِّدُ مع صوت مارسيل : يعبرونَ الجسرَ في الصبحِ خفافاً أضلعي امتدَّت لهم جسراً وطيد. من كهوفِ الشرق. من مستنقعِ الشرق إلى الشرق الجديد.

المصدر:”ليبانون ديبايت”