يقبل لبنان على خمس سنوات عجاف قاسية. المفاوضات التي ستبدأها الحكومة مع صندوق النقد الدولي، تحتاج لأشهر كي تنضج. والحصول على مساعدات من الصندوق، على ارتباط وثيق بالتطورات السياسية، وبصراع القوى الدائر في الإقليم.
بغداد – بيروت فبالتزامن مع إقرار الحكومة اللبنانية خطتها الاقتصادية، كانت حكومة مصطفى الكاظمي في العراق، تنال ثقة البرلمان. والتقارب اللبناني مع المجتمع الدولي، بدأ بلقاء حسان دياب بسفراء الدول والترحيب الديبلوماسي بالخطة الإقتصادية.
والتقارب هذا، يوازيه تقارب إيراني – أميركي في العراق، أنتج حكومة بعد أشهر من التأخير.لم يأتِ تشكيل الحكومة العراقية حلاً سحرياً للأزمة في بلاد الرافدين. وهذا ما ينطبق على تشكيل حكومة حسان دياب في بيروت. وهي حكومة لا تمتلك حلاً سحرياً للانهيار الاقتصادي، الذي اندلعت معه احتجاجات شعبية غير مسبوقة.
وإقرار خطة حكومة دياب الاقتصادية، لن يكون طريقاً إلى فتح جِنان نعيم المساعدات. المسار طويل، ويُفترض أن يبدأ بعد إقرار الخطة. والأنظارالدولية مسلطة على الأفعال، وليس على الأقوال.القمع ولقمة العيشما يشغل اللبنانيين في الخطة الاقتصادية وفي اللقاءات الديبلوماسية – إلى لقمة عيشهم وخوفهم على ودائعهم المصرفية – ألا تستغلهما الحكومة في تشديد قبضتها الأمنية:
من استخدام العنف ضد المتظاهرين، كما في مرحلة الاحتجاجات السابقة، والعودة إلى الأيام الأولى لتشكيل الحكومة، وممارسة القوة ضد الناشطين، من هدم خيمهم وفض التظاهرات والاعتصامات بقسوة وعنف.فالمسار هذا قابل للتطور على الأرجح.
وذلك كلما تقدّمت الحكومة في مسار مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي، وكلما وجدت طاقة جديدة لتحسين علاقاتها الدولية. فما أن تُقْدِم السلطة السياسية اللبنانية على تنفيذ ما يُطلب منها سياسياً واقتصادياً، على نحو لا يتعارض مع مصالح القوى الإقليمية المتصارعة، يُرجح أن تشدد قبضتها الأمنية والسلطوية في الداخل اللبناني.إعلام الحزب الواحدلا يقتصر تشديد القبضة الداخلية على استخدام القوة ضد التظاهرات.
هناك مسار واضح تتكامل عناصره في تطبيق سياسة تكميم الأفواه:
استدعاء الناشطين وتوقيفهم. استدعاءات الصحافيين وترهيبهم. وحثّ الجميع على تجنّب المواقف النقدية. وصولاً إلى وصاية جديدة وكاملة على الرأي العام الاعتراضي.وهذا ما بدأ يفعله ما يسمى المجلس الوطني للإعلام الذي لا معنى له ولا دور إلا في أنظمة الحزب الواحد: القيام بدور “تأديبي” أو “إرشادي” أو “ناصح” (وتهديدي، ضمناً وأساساً) للصحافيين ولوسائل الإعلام. والدور الترهيبي هذا، يحاول نزع الغطاء المعنوي عن الصحافيين ومؤسساتهم، على قاعدة “فرق تسد”. أي التفريق بين هذه المواقع والمؤسسات الإعلامية، وتقسيمها إلى مؤسسات مسؤولة، وأخرى غير مسؤولة.طبعاً المسؤولية في أعراف المجلس المتبطل والجهازي، هي القدرة على التزلف ومغازلة السلطات الحاكمة.
أحلام حزب الله وعهدهتحاول السلطة تجميع أوراق قوتها على المستويات المختلفة: الحكومة والعهد يريدان تمرير الخطة الاقتصادية، لتعويم نفسيهما وإطالة أمد بقائهما، بواسطة ادعائهما مساراً اقتصادياً تشاركياً مزعوماً مع المجتمع وصندوق النقد الدوليين.وحزب الله – الذي أبدى موافقة على التفاوض مع الصندوق، “شرط عدم المساس بالسيادة”!
ينتهج مساراً براغماتياً، محاولاً ابتزاز الجميع، بفرض شروطه بوصفه الأقوى على الأرض في لبنان. وهو يدرك أن الحكومة والعهد في خدمته. لذا يعتبر أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ومع الأميركيين، ستكون متعلقة به حصراً.معارضة عاجزة ومجتمع منهكالقوى السياسية الأخرى المعارضة للعهد والحكومة، لم تجد سبيلاً لاستمرار معارضتها. وليس لديها بديل عن الخطط والسياسات المقدمة. وهي ذهبت إلى براغماتيتها مجدداً:
تطبيع العلاقة مع السلطة. العمل على استمرار الخلافات والمنازعات، التي تؤدي إلى انتاج انفجارات جديدة. وقد يكون المعارضون غير مدركين أن النتيجته أخطر عليهم:
خروج أنصارهم ومواليهم عليهم، والالتحاق بركب المطالبين بالتغيير الجذري. فالمعارك التي يخوضها المعارضون قد تصب في خانة الاستقطاب وتوسِّعه، ما يمنح السلطة فرصة جديدة لتشديد قبضتها الأمنية والسياسية على البلاد.ففي المجتمعات المنهارة معيشياً واقتصادياً وسياسياً، تتمكن السلطة من الإطباق الأمني وتشديد قبضتها.
وهي تقدم إطباقها وتشددها في لبوس الحرص على الناس وسلامتهم، خوفاً من الفوضى.وهذا النموذج قد يسود في المرحلة المقبلة. فالسلطة ستدعي أو تتوهم أنها تحظى بغطاء دولي، تستمده من مفاوضاتها حول الخطة الاقتصادية. وقد يدفع هذا المجتمع اللبناني المنهك والمتذرر إلى الانفكاء عن الشأن العام، رازحاً تحت توفير قوته اليومي، وباحثاً عن أمان من جور السلطة واستدعاءاتها.
المصدر:”المدن”