يُلاحظ المراقبون أن الثلاثي الحريري – جعجع – جنبلاط لا يتركون مناسبة إلا ويحاولون من خلالها استعادة ما خسروه من تأييد في أوسط الرأي العام نتيجة لخياراتهم السير في التسوية الرئاسية التي أوصلت العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية وانتهت بإبعادهم عن مواقع السلطة ودائرة القرار.
والواضح أن القادة الثلاثة يعملون من دون تنسيق في ما بينهم على ترميم صورتهم “المعارضة” من خلال مواقف هي أقرب ما يكون الى المناورات السياسية والإعلامية التي لم تعد ترضي مناصريهم، ولا حتى القسم الأكبر من محازبيهم، لا سيما في ظل السقف المرتفع الذي رسمته “ثورة 17 تشرين” في التعاطي مع المنظومة السياسية عموماً، ولا سيما تلك التي ساومت ليس فقط على القضايا السيادية وإنما كذلك على الحلول الاقتصادية والمالية الجدية التي من شأنها تأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة للبنانيين.
وقد توقف المراقبون خلال الأيام القليلة الماضية أمام ثلاثة محطات توضح سعي جعجع والحريري وجنبلاط الى إرضاء قواعدهم، ومحاولة التموضع إعلامياً وشكلياً في المعارضة، من دون أن يؤدي ذلك الى المسّ بالسقف السياسي للتسوية المتمثل بحزب الله.
فرئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط الذي أعلن عدم مشاركته في اجتماع رؤساء الكتل النيابية مع رئيس الجمهورية ميشال عون للبحث في الخطة الاقتصادية، سارع الى استباق الاجتماع بزيارة منفردة الى القصر الجمهوري بحجة البحث في قضايا الجبل وعدم السماح للمواقف المعارضة بالانعكاس توترات على أرض الواقع.
وفي ذكرى 7 أيار 2008 التي شكلت مناسبة لمواجهات بين محازبيه ومحازبي حزب الله عبر وسائل التواصل الاجتماعي على خلفية الهجوم على الجبل يومها، سارع جنبلاط بالدعوة الى التهدئة واعداً بشرح الملابسات التي سبقت وأدت الى “هذا اليوم المشؤوم”!
– وفي ذكرى 7 أيار 2008، إختار رئيس تيار المستقبل سعد الحريري لشد عصب جمهوره تناسي هجوم حزب الله على بيروت واحتلالها بقوة السلاح قبل 12 سنة، فشنّ هجوماً على جبهة العهد وعلى الفريق السياسي لرئيس الجمهورية ميشال عون متجنباً حتى المواجهة القاسية والمباشرة مع شخص رئيس الجمهورية، معتبراً أن لا مشكلة شخصية تستدعي الوساطة معه، على الرغم من أن الحريري اعتبر أن لا لزوم لزيارة القصر الجمهوري!
– أمّا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي يصرّ على عدم اعتبار نفسه مخطئاً في التسوية التي يتباهى بأنه صنعها وأوصل من خلالها العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، فاختار مناسبة دعوة رؤساء الكتل النيابية الى القصر الجمهوري ليحاول تصوير نفسه بأنه المعارض الوحيد القادر على مواجهة فريق 8 آذار وجهاً لوجه.
لكن معارضته وقفت عند حدود حزب الله وسلاحه ومسؤوليته الاساسية عن الأزمة الاقتصادية مكتفياً بالحديث عن ضرورة ضبط المعابر الشرعية وغير الشرعية في إطار وقف التهريب متجاهلاً السلاح ومصادرة السيادة اللبنانية وتأثيرهما على التدهور الاقتصادي.
ويرى المراقبون في ضوء هذا الواقع، أن كلاً من الحريري وجنبلاط وجعجع الذين جعلت منهم ثورة الأرز في 14 آذار 2005 زعماء على مستوى الوطن لأنهم رفعوا الشعارات السيادية، عادوا الى مجرد رؤساء لأحزاب وتيارات سياسية مهزوزة القواعد بفعل “ثورة 17 تشرين” التي حرمتهم رأياً عاماً واسعاً سلّفهم ثقته وآماله ومستقبله، فصرفوها في مقامرات سياسية وسلطوية انتهت بهم على هامش اللعبة التي ادّعوا يوماً أنهم صانعوها، ليتبيّن للرأي العام اللبناني بعد حين أنهم ادّعوا أدواراً لم تكن لهم، وأحجاماً لا تشبه واقعهم، وأنهم كانوا ، ولا يزالون، مجرّد منفّذين لمشروع حزب الله بمعزل عن طبيعة نواياهم وحساباتهم الخاطئة، لا يجرأون على المطالبة الصريحة والواضحة والمباشرة بتنفيذ القرار 1559 وبنزع سلاح حزب الله لا من داخل السلطة ولا من خارجها!.
المصدر:”ليبانون ديبايت”