بيان خِتامي لِلقاء وطني مالي إقتِصادي أُريدَ لَه أن يكونَ وطنيّاً بإمتياز. غاب عنه السنّة والدّروز. لبنان يحلّق مرفرفاً مرة جديدة من دون جَناحَين. معجزة من معجزات النظام الطائفي أن دام ثلاثين سنة من دون استيلاد حرب عبثية جديدة. خردقة صغيرة واحدة على طرف جانح تطيح بالعصفور الوطني الطري.
دعوة الرئيس عون صادقة من دون أدنى شك. رجلٌ يبحث عن وطن ضائِع. لكن للأسف الخطة ستُقرأ من اليوم وصاعداً بِعَمى الأرقام. سيُحَدِّق فيها السياسيون بعيون الإضطهاد الطائفي ونظّارات الحسابات المذهبية الضيقة. أمعن الجميع في لبنان بِتغليب الطوائف على الأرقام. فجأة أصبحت الخطة ضد نصف لبنان.
ساهم النائب إبراهيم كنعان بدماثة مواهبه التوفيقية في التقليل من وقع مقاطَعَة إجتماع بعبدا. أكّد مُدَوّر زوايا إتفاق مِعراب انخراط المتخلّفين عن الحضور في نقاش الخطة من على المنبر التشريعي في مجلس النواب.
استحضرهم النائب المتني من عمق تغيّبهم. أصاب. ليتهم عقدوا الإجتماع تحت قبّة البرلمان. مجلس النواب يبقى المكان الأمثل لمناقشة خطة بهذا الحجم الأممي. كأني به يوصي بعدم إقحام الرئاسة بنقاش هو أولاً من مسؤولية النواب. نسف كنعان الخطّة نصف نَسفَة بسلاح الدماثة عينه.
ستخضع للتطوير والتعديل على ما جاء في تصريحه المهذَّب. نبوءة فقدان أهلية الخطة بلغة حضارية يتقنها رئيس لجنة المال والموازنة في مجلس النواب. حضوره في بعبدا كان لزوماً يلزِم إنما للضرورة أحكام.
لم يحضر القطاع الخاص اللقاء الوطني اليوم. المجلس الإقتصادي الإجتماعي كان قد حذّر على لسان رئيسه شارل عربيد من أن المجلس المذكور لديه نقاط جوهرية ومبادرات خلاقة يود طرحها إنما على من يقرأ المجلس برئيسه الديناميكي مزاميره؟ يبدو أن فلسفة لقاء بعبدا مبنية أكثر على تمتين التحالفات وأقلّ على نقاش خطة إنقاذية. موقع رئاسة الجمهورية واحترام الرئيس حالا دون أن تبلغ هذه الأصوات الصادقة نبرة أكثر إرتفاعاً.
لم ينسَ البيان الختامي للقاء بعبدا التغزّل العذري بالقطاع المصرفي. كمن يريد منه وتفو عليه. وعده بالتشاور دون أن يُفرِد له ولو مقعداً واحداً إلى جانب محمد مكيّه على الطاولة الرئاسية.
الموقف اللافت الوحيد الذي خرج من طاولة النقاش كان موقف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. شعار وطني كبير ختم به جعجع موقف حزبه المعارض من القصر: الإنتخابات المبكِرة.
باتت القوات اللبنانية أكثر التصاقاً من أي وقت مضى بنبض الثورة التي تطالب بتقصير مدة ولاية المجلس. ربّما كان تظهير هذا الموقف بشكل واضح خلال الجلسة التشريعية الأخيرة في الأونيسكو مقدّمة ديناميكية لشعار القوات الذي أُطلِق بشجاعة وطنية من بعبدا اليوم.
يبدأ الإصلاح الحقيقي من محاسبة ذاتية. من خطيئتي عظيمة يتبعها عقاب عادل. لا يكفي الحكومة الإقرار بذنوب متوارثة. هذا سيعطيها تعاطفاً دولياً لكنه لن يعطيها دولارات أميركية. وقف الهدر. وقف التهريب. وقف الفساد. محاسبة سريعة للفاسدين. إسترجاع الأمول المنهوبة.
فتح أبواب السجون. تسريح فوري لآلاف الموظفين الذين أُدخِلوا ملاكات الدولة خلافاً للقانون. عندها يصبح الحوار مع صندوق النقد الدولي مجدياً. ما حصل على مستوى الخطة رشّح الحكومة للحصول على موعد من الصندوق ليس إلا. ليس بالمواعيد تُبنى الأوطان.
قصر بعبدا فسيح الأرجاء. حبّذا لو يتّسع للقاء وطني يخرج عن منطق دعم خطة.
لبنان المنهك أطعِمَ خِططاً منذ ثلاثين سنة. لم تصب شيئاً يذكر سوى بعسر هضم وطني. أن نرى رئيس الجمهورية الذي آمنّا بحرف سبعة على إبهامه وأوسط أصابعه يظهرهُما تحية لشعب مقهور وجائع. إن أظهرهُما سنبصمُ على أي خطّة. ننتظرهما بفارغ الصبر لنبني لنا وطناً بحجم ثورة أبنائه.
المصدر:”ليبانون ديبايت”