لبنان لن يخرُج من هذه الأزمات، إلا حينما يقدّم سياسيوه تنازلاتٍ استثنائيةً عما يعتقدونه حقوقًا لهم، مقدِمينَ مصالحَ البلد على مصالحهم، لكن مثل هذا الإستعداد للتنازل والإعتراف بالفشل غائب حاليًا، أما بسبب عدم إدراكِهم المخاطرَ المحدقةَ بالبلد، وهذا محتمل، فمعظمهم يفتقر إلى الحنكة السياسية والخبرة الإدارية، أو حتى المؤهلاتِ الأكاديمية، أو بسبب تبعيتِهم المطلقة لدول أخرى، بحث أنهم لا يستطيعون أن يتخذوا القرارَ المناسب رغم وضوحِ المشاكل والحلول.اعلانجائحة كورونا أوقفت معظم النشاطات الإقتصادية، وكبلت البلد بأعباءٍ مالية جديدة وأضرت بالفقراء الذين يشكلون أكثر من ثلث الشعب، خصوصًا أولئك الذين يعملون بأجور يومية.لو كان البلد متماسكًا والدولة قوية، والقانون يُطبَّق على الجميع، إذ يمكن الخبراءَ في المؤسسات أن يجترحوا حلولًا داخلية، كتخفيضِ الرواتب والنفقات وزيادةِ الضرائب على ذوي الدخل المرتفع، وزيادة إيرادات الدولة من بعض القطاعات، أو حلولًا خارجية.لكن الجماعات التي تدعمها إيران قد جعلت التعاونَ مع دول العالم الأُخرى مُستحيلًا، كيف لا ؟ والإقتصاد الإيراني يعاني بسبب العقوبات الأميركية التي جلبتها سياسات النظام التوسعية الطائشة، وعلى إيران وحدها أن تتحمل نتائج سياسات نظامها، ولا تحاول تحميل الدول الأخرى تبعات سياساتها.إن رضوخ الحكومة المستمر للضغوط الإيرانية، وتبعيتها لسياسات النظام الإيراني المنبوذ عالميًا، وضعوا البلد في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية، التي فرضت العقوبات على إيران، وكذلك مع الدول الاقليمية المتضررة من السياسات الإيرانية المتعمدة، بالإضافة إلى أنهما يجلبان سخط الشعب اللبناني، كما رأينا في الإحتجاجات التي إستمرت ستة أشهر، ولم تتوقف إلا بسبب جائحة كورونا.لكن هذا الضعف بالموقف اللبناني أمام إيران سببه وجود قوى لبنانية مسلحة تابعة للنظام الإيراني، لذلك فإن من العبث حقا أن يأمل الشعب اللبناني، أو المجتمع الدولي، في قيام دولة لبنانية مستقلة وذات سيادة، إن لم يُعالَج أصلُ المشكلة وهو وجودُ جماعات مسلحة في تعمل لصالح النظام الإيراني، وهذه الجماعات التي تسمي نفسها سياسية، تتسبب في تخريب علاقات لبنان مع الدول الأخرى وتساهم في شكل مباشر، في تدهور الإقتصاد وزعزعة الأمن وقمع الحريات وإضعاف المؤسسات اللبنانية، وفي مقدمتها القضاء ووسائل الإعلام.ومع كل المشاكل التي يعانيها البلد والأخطار المحدقة به، مازالت هذه القوى تصر على تقاسم السلطة والنفوذ. من الواضح أن أيامًا قاتمة تنتظرنا، صحيًا واقتصاديًا وأمنيًا وسياسيًا وإجتماعيًا، خصوصًا مع عدم تمكُّن السياسيين من تقديم الحلول الناجعة، أو عدم استعدادهم لذلك.لكن صبر اللبنانيين على الطبقة السياسية قد نفد منذ ١٧/تشرين الثاني عام 2019، وأن ما يؤجل الإنفجار الشعبي العارم الآن هو جائحة كورونا، وعندما تنتهي الأزمة، لن يقف بوجه اللبنانيين الغاضبين، لا سلاح ولا وعود وألاعيب وخُدَع السياسيين المتمرسين.
ليبانون ديبايت” – شادي هيلانة