في جلسة إقرار موازنة العام 2019 الشهيرة في المجلس النيابي، كان هناك ردّ للرئيس سعد الحريري قال فيه: “لا يمكننا تنفيذ شروط صندوق النقد الذي يطلب تحرير سعر صرف الليرة ورفع الضريبة على القيمة المضافة وفرض رسوم إضافية على سعر صفيحة البنزين…”. العديد من المحللين قالوا آنذاك إن السبب يعود إلى رفض “حزب الله” اللجوء إلى صندوق النقد الدولي الذي كانت مطالبه واردة ضمن شروط مؤتمر سيدر.
تصنف بعض الأوساط السياسية خطة الرئيس حسان دياب اليوم على أنها أوراق اعتماد لدى صندوق النقد من ناحية تحرير سعر صرف الليرة، رفع الضرائب وحتى تثبيت سعر صفيحة البنزين بالإضافة إلى العديد من النقاط التي تشكّل مطالب الصندوق.
فما الذي تغيّر حتى يتمّ إعطاء حسان دياب ما لم يمرر في عهد الحريري؟
يقول الباحث الإقتصادي البروفسور جاسم عجاقة لـ “لبنان 24″أن “الظروف الإقتصادية والمالية والنقدية تغيّرت بين 2019 و2020 إلى درجة أن ما كان مرفوضاً البارحة أصبح شبه مقبول اليوم. ولكن هذا لا يعني أن القوى السياسية وعلى رأسها حزب الله سترّضخ لكل شروط صندوق النقد الدولي.
وسيظهر هذا الأمر في المرحلة المُقبلة عندما تبدأ المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لذا يُمكن القول أن الرهان لم ينّجح بعد”.
وعليه، فإن حظوظ الخطة الإقتصادية التي أقرّتها حكومة دياب، مرتبطة بثلاثة عوامل هي:
الشارع اللبناني وتقييمه للخطة.
القوى السياسة المعارضة.
والمجتمع الدولي.
وإذا إستطاعت حكومة دياب تخطّي هذه العوامل بنجاح، فهذا يعني نجاح الخطّة ، يقول عجاقة.
ولا شك في أن لبنان، بحسب عجاقة، ينتظر من صندوق النقد ثلاثة أمور:
أولًا أموال نقدية لمواجهةالإستحقاقات الآنية؛
ثانيًا جواز سفر لتحرير أموال سيدر؛
ثالثًا مظلة قانونية دولية لمنع ملاحقة الدولة عن تخلفها عن دفع مستحقاتها.
كما بات معلوماً فإن الخطة مبينة على ثلاثة محاور أساسية تتصل بإعادة هيكلة الدين العام مع تحميل الخسائر إلى مصرف لبنانوالمصارف التجارية وقسم من المودعين، و خفض سعر صرف الليرة بهدف تصحيح الخلل في ميزان المدفوعات والحساب الجاري وخفض الدين العام بالليرة اللبنانية، فضلا عن طلب مساعدة صندوق النقد الدولي مما يفتح الباب أمام سيدر ومساعدات أخرى؛ وانطلاقا مما تقدم، فإن النقطة الأكثر سلبية في الخطّة، بحسب عجاقة، هي قرار الحكومة خفض سعر صرف الليرة الذي سيكون له تداعيات سلبية جدًا على المواطن لأن الليرة ستجد نفسها عارية وبالتالي ستخسر الكثير من قيمتها مقابل الدولار الأميركي؛ فبغياب إقتصاد قوي ستزيد نسبة الفقر إلى مستويات عالية جدًا وستتخطّى الـ 70% في العام 2024.
أما النقطة الضعيفة الثانية، وفق عجاقة، فتتمثل بمستوى تدّخل الدولة في الحياة الاقتصادية اللبنانية وخصوصا القطاع المصرفي مما ينذر بالتحوّل نحو اقتصاد موجّه أي مناهض تماما لما هو منصوص عليه في الدستور. أمّا النقطة الضعيفة الثالثة، فهي عدمّ تنفيذ أي إصلاح مما يعني أن التفاوض مع صندوق النقد الدولي سيكون صعبا وسيكون لبنان الحلقة الاضعف.
ولكن ماذا يُمكن أن يحصل على صعيد إرتفاع الأسعار أكثر مما هو حاصل الأن والليرة عمليًا تجاوزت الـ 3500 ليرة؟ يقول عجاقة : هناك ثلاثة سلع أساسية لا يزال استيرادها يتم وفق السعر الرسمي وهي المحروقات، القمح والأدوية؛وأي خفض لسعر صرف الليرة يعني ضرب أسعار هذه السلع بنفس النسبة! يعني إذا اعتمدت الحكومة سعر صرف 3500 ليرة كما هو منصوص عليه في الخطو فهذا يعني أن صفيحة البنزين ستصيح بأكثر من 50 ألف ليرة!
وإذا دعمت البنزين فسيكون صندوق النقد بالمرصاد. من هذا المنطلق هناك شبه إستحالة لخفض سعر الصرف قبل إجراء إصلاحات إقتصادية. أمّا فيما يخصّ الأسعار في المحال التجارية، فهي بمعظمها نتيجة الجشع والطمع ويجب على الحكومة إثبات وجودها وإلا لن تستطيع السيطرة على الأسعار بعد خفض سعر صرف الليرة.
ويُضيف عجاقة “المُضحك المبكي أن الخطّة تتنبأ بأن سعر صرف الليرة سيكون 4300 ليرة بحلول العام 2020! مع العلم أن أعظم مراكز الأبحاث العالمية والبنوك الإستثمارية عاجزة عن القول كم ستكون قيمة عملتها بعد 5 سنوات!”
وسط ما تقدم، فإن لائحة الملاحظات على الخطة كثيرة، وهي بحسب عجاقة: غياب معالجة قطوعات الحسابات منذ العام 1993 حتى العام 2018، غياب جدول زمني بالاصلاحات، عدم واقعية تداعيات تدابير الايرادات والانفاق، غياب تقديرات رقمية لنسبة الفقر أو البطالة التي ستنتج عن هذه الخطة، غياب تقديرات رقمية لتداعيات الكورونا على تطبيق الخطة، والسيناريو التفاؤلي في الخطة والذي لا يعكس الواقع بحسب عجاقة.
وعليه، فإن الخطة ما زالت، بحسب عجاقة، في مراحلها الأولوية ومن المتوقع أن تمر بالكثير من “القطوع” قبل أن تصل إلى برّ الأمان، لا سيما في ما يتصل بشروط الصندوق واحتمال وجود مطالب سياسية تتخطّى قدرة لبنانعلى تنفيذها.
المصدر:”لبنان24″