المؤشرات كلّها، تدلّ على أنّ المشهدَ السياسي القائم في البلاد، مرشحٌ للذهاب نحو مزيدٍ من التوتر والتصعيد مع إبقاءِ أبوابِ الجبهاتِ مُشرَّعة على مصراعيها ومفتوحة على جميع الإحتمالات. وما يُعزّز هذه الفرضيّة، غياب البوادر الجديّة والحلول المنطقيّة التي يُمكن لكل فريق أن يركن اليها أو يستهدي بها في عتماته السياسيّة للوصول إلى الطريق المنشود.
من بين رائحة المخاوف التي بدأت تتكاثر في الآونة الأخيرة، تخرج خطوط الإشتباكات المُستدامة بين التيارَيْن “الأزرق والبرتقالي” والمعطوفة على خلافاتٍ مُستفحلة لم تُخمَد نيرانها حتّى في ظلِّ التوليفة الحكوميّة التي حملت عنوان “إلى العمل” والتي لم يُكتَب لها النجاح في أيّ عملٍ ولا تحقيق أيّ إنجازٍ، بسبب المناكفات والمُشاحنات السياسيّة وتغليب المصالح الطائفيّة والحزبيّة، على تلك الوطنيّة.
في هذا التوقيت الحرج الذي يمرّ على خطّ زلزال الأزمات المُستفحلة، تشتد الإتهامات بين “الوطني الحرّ” و”المستقبل” على جبهاتٍ متقطعة تتراوح بين قصفٍ مُركّز في بعض الأحيان، وعشوائيّ في أغلبهِ والذي عادت وارتفعت وتيرته منذ إستقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة السابقة على خلفيّة التظاهرات الشعبيّة التي كان لرئيس “البرتقالي” النائب جبران باسيل، حصّة الأسد من شعاراتها سواء السياسيّة أو الشخصيّة.
وتكمن خطورة الإتهامات هذه، أنها تمتد في كل مرّة إلى قواعد التيّارَيْن الشعبيّة، وتتحوّل من خلالها مواقع التواصل الإجتماعي إلى حفلاتِ جنونٍ ومنبرٍ لتصفيةِ الحساباتِ، ولو على حساب الكرامات والأموات.
من النافل القول، أن الاختلافات والخلافات بين الحريري وباسيل ليست مُستجدة ولا هي آنية أو ظرفيّة، بل تمتد لأعوامٍ سابقة كانت ظهرت مع دخول باسيل المُعترك السياسي من البوّابة الحكومية حيث كان الطرح يومها يصب في خانة منع الراسبين في الإنتخابات النيابية، من تبوّء أي مقعدٍ وزاريٍّ، وبالطبع كان باسيل هو الطرفُ المُستهدف. وعلى الرغم من الأجواء التي عادت وجمعتهما تحت مظلّةٍ حكوميّةٍ واحدة، إلّا أنّ الودَّ بينهما ظلَّ مفقودًا، الأمر الذي انعكس سلبًا على برنامج العمل الحكومي الذي بقيَ حتّى ساعاتهِ الأخيرة، خارج الإشادات المحليّة، والخارجيّة.
اليوم، تكمن المُشكلة بين “الأزرق” و”البرتقالي” بفقدان الثقة بشكلٍ كاملٍ بينهما، الأمر الذي جعل الحريري وباسيل يحرقان مراكب العودة وينسفان محاولات التقريب بينهما خصوصًا بعد اتهام الأوّل للثاني تسلّطه على موقع الرئاسة الأولى واستناده إلى عقليّةٍ إلغائيّة، وردّ الثاني بالقول “رحت بعيد بس رح ترجع، الفرق انو طريق الرجعة رح تكون اطول واصعب عليك”. هذا كلّه يؤكد أنّ الهوّة تتّسع بين الرجلَيْن بشكلٍ غير مسبوقٍ وبدأت تأخذ في الفترة الأخيرة، أشكال الصراع المفتوح مع سماح كل طرفٍ لنفسهِ، باستخدام الأسلحة “المناسبة” وفقًا للزمان والمكان المناسبَيْن.
مصادر “الأزرق” تعتبر أن الأزمات الأخيرة وتحديدًا التي يتم من خلالها استهداف “المستقبل” والمبنيّة على باطلٍ، هي من دون ادنى شك، أزمات مُفتعَلة يُراد من خلالها التنصّل من الفساد وهدر المال العام والإستئثار بالحكم، من خلال استهدافِ “الحريريّة السياسيّة” ذات البصمات الناصعة في سجل وتاريخ لبنان، بالإضافة إلى ضرب أو تحجيم طائفةٍ أساسية بحقوقها وصلاحياتها، مؤكدة أن هذا الأمر سيؤدي في بعض جوانبه، إلى خلق مشاكلٍ كبيرة نحن في غنى عنها خصوصًا وأننا أحوج اليوم إلى تثبيتِ الإستقرار والعقد الذي نعيشه اليوم، بين جميع المكوّنات، سواء سياسيًّا أو طائفيًّا أو حتى حزبيًّا.
وسألت المصادر، “هل من المنطق أو ما يتقبله العقل، أنه عند كل مطبّ نصادفه أو أي حادثة تحصل في البلد، سواء أمنية أو سياسية أو اجتماعية، تُشنّ في المقابل حملة وهجمة مُستعرة على تيار المستقبل؟”. هذا يؤكد أن الحملة مُبرمجة ومُخطط لها، وبات لزامًا على رئيس الجمهورية أن يضعَ حدًّا لها، وبرأينا هو قادرٌ حتّى اليوم على وضع الأمور في نصابها الصحيح.
لافتة إلى أنّ الحريري دفع من رصيده السياسي والمالي، وقام بكل ما يلزم من أجل ابرام تسويةٍ سياسيّةٍ أنقذت لبنان من المجهول، على الرغم من عدم اقتناعه بها، لكنه كان يضع المصلحة الوطنية على قائمة الأولويات. وكذلك رأينا المعارضة السياسية والشعبية داخل “المستقبل”، ومع هذا بقينا مُحافظين على التسوية حتى انقطاع النفس.
من جهتها، اكتفت مصادر “البرتقالي” بالقول، “هناك دعوة وجّهها رئيس البلاد العماد ميشال عون لكافة الأطراف الفاعلة في الحياة السياسيّة في لبنان يوم الأربعاء المقبل الهدف منها وضع الجميع أمام البرنامج الإصلاحي الذي أقرته الحكومة، وهي كفيلةٌ في تصحيح الشوائب التي يحملها البعض في ما يتعلّق بالإصلاحات”.
وأضافت، طبعًا تيار المستقبل هو فريقٌ أساسيٌّ في هذا البلد ينطبق عليه ما ينطبق على غيره، وبطبيعة الحال سيكون للرئيس عون كلمة ولو بشكل مُختصر حول ضرورة دعم البلاد في هذا الظرف. ونعتقد أن ما يقوله فخامة الرئيس، هو مُلزمٌ للجميع وكلنا يتفق على هذا الأمر، اللّهم إلّا إذا كان هناك من يُصرّ على شحن الأجواء والتلطّي خلف الحقوق المذهبية والطائفية.
المصد :”ليبانون ديبايت”