بعد اقرار”الخطة الاقتصادية”..الطريق وعرة والتفاهمات مطلوبة!

لا يكفي الاعلان عن الخطة الاقتصادية الشاملة كما جرى اول امس بعد اجتماع مجلس الوزراء للقول ان البلاد دخلت مرحلة جديدة. فهناك خريطة طريق ليست قصيرة من اجل وضعها موضع التنفيذ تمهيدا للحكم على مدى قدرة الحكومة على تطبيقها وتحقيق اهدافها.

وابرزها معالجة التردي الذي تعيشه الحياة الاقتصادية في لبنان على اكثر من مستوى. فقبل هذه الخطة وضعت خطط كثيرة آخرها انتهت منه  الحكومة في آذار من العام 2018 قبل ايام قليلة على انعقاد مؤتمر “سيدر واحد” في 6 نيسان العام 2018.

وقبل ذلك التاريخ وضعت اوراق اقتصادية قيل انها كاملة ومتكاملة تلقي الضوء على الوضع الاقتصادي والمالي من مختلف جوانبه والتي على اساسها عقدت مؤتمرات باريس الثلاثة وآخرها في العام 2007 ولكن معظمها بقي حبرا على ورقة او ان ما نفذ منه لا يقاس بالنتائج التي كانت مأمولة منها.

على هذه الخلفيات سجلت مراجع اقتصادية وقانونية  شرحت ملاحظاتها عبر “المركزية” على مسار الخطوات المقبلة التي تنوي الحكومة القيام بها وخصوصا ان من بين ما تقرر القيام به مجموعة من الخطوات سيجري تطبيقها قبل البدء بتطبيق الخطة وتمهيدا لها وهو ما سمته بـ “الإجراءات الآنية والفورية من اجل مكافحة الفساد واستعادة الاموال المتأتية منه” بالإضافة الى مسلسل التعديلات المقترحة على العديد من القوانين المرتبطة بهذه القضايا من اجل تطبيقها او اعادة النظر ببعض ما قالت به.

ومن بين ما تحدثت عنه الحكومة من إجراءات فورية يتصل بالتحقق الضريبي الداخلي والخارجي كما المحاسبي وتطبيق المادتين الرابعة والثانية عشرة من قانون الاثراء غير المشروع والتوسع في تطبيقهما في العديد من المجالات التي تسهل التحقيق في مظاهر الإثراء غير المشروع وتحديد المجالات التي يمكن ان يطالها التحقيق فلا تقف الأمور عند ما لا تضمنه عمليات تهريب الأموال و نقل الحسابات من اسماء المتهمين الى اقارب لهم او من ذريتهم بهدف إخفائها او حمايتها. وصولا الى ما يمتلكون من اصول وعقارات وسندات واسهم في شركات تجارية  وغيرها من وسائل استثمار وتسييل الأموال والثروات المشبوهة.

كما تنص الإجراءات الآنية والفورية على تطبيق المادة الخامسة من قانون السرية المصرفية في وقت كانت اللجنة النيابية الفرعية من لجنة المال والموازنة تبت في الصيغة الجديدة لهذا القانون الخاص بموظفي القطاع العام  بعد فشل المساعي التي بذلت من اجل البت بقانون رفع الحصانات عن رؤساء الحكومات والوزراء والنواب في جلسة الأونيسكو في 21 نيسان الماضي لأسباب مختلفة ولا سيما المخاوف من استخدامه وسيلة في الحسابات السياسية المفتوحة بين الحكومة ومعارضيها والاتهامات التي وجهت اليها بتسييس قراراتها على خلفيات كيدية وانتقامية وهو ما ابقى في النهاية الملاحقة محصورة بالموظفين دون الوزراء وما يترتب عليهم من مسؤوليات سياسية ومدنية.

ولا تتجاهل الاجراءات الفورية ضرورة اللجوء في اسرع وقت الى اعادة تطبيقها على حسابات الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الذين يتلقون من الدولة ومؤسساتها العامة والبلديات مساهمات واموالا او يجرون معها عقودا والتزامات. بالإضافة الى تطبيق قانون حماية كاشفي الفساد رقم 83/ 2018 وانشاء مكاتب خاصة في الوزارات والمؤسسات العامة لتقبل الشكاوى والإخبارات والكشوفات المتعلقة بعمل الوزراء والموظفين وفق الآلية التي تحددها كل وزارة بما تراه مناسبا ومهامها.

والى هذه التدابير التي اقرتها الحكومة مرفقة بالخطة الإقتصادية، تعقد الآمال على قدرة هذه الحكومة على تطبيقها وخصوصا انها لم تثبت في مناسبات مماثلة انها حكومة حيادية او مستقلة كما تعهد رئيسها عند تكليفه مهمة التأليف ولم تتمكن من عبور بعض المحطات التي استحقت فيها تجارب اقل خطورة ودقة مما هو مطروح اليوم في سلة الإجراءات هذه.

ومن هذه النقطة بالذات تتوسع دائرة الأسئلة والملاحظات التي يمكن ان تهدد امكان الاقلاع بالخطة ومنها:

-ما الذي يضمن ان ملاحقة الفاسدين ستكون ممكنة ان وصلت التحقيقات الأولية الى رموز الصف الأول او من ناب عنهم فمعظم من تحكموا بالمواقع الحساسة لهم ارتباطاتهم السياسية والحزبية وربما الطائفية.

– ما الذي يضمن ان تتوفر الظروف المؤاتية للاسراع في تنفيذ هذه الخطوات والإجراءات ان تبين سلفا انها تطال احدا من فريق السلطة قبل ان تطال أحدا من فريق المعارضة او تزامنا.

– ان من يتمعن في التعديلات التي طرحت على القانون الرامي الى مكافحة الفساد في القطاع العام وتشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في جلسة الاونيسكو التشريعية الأخيرة وتحديد بعض المواصفات لاعضائها يستشف وكأن اركان السلطة الحالية هم من سيسمون أعضاءها. كما تضمنت التعديلات وضع شرط يبعد النواب السابقين عن عضويتها ما لم يكن قد ترك المجلس قبل خمس سنوات على الأقل، ما يوحي ان هناك محاولة لاقصاء بعض الشخصيات المطروحة لعضويتها وتسهيل وصول آخرين.

– كيف يمكن ضمان تجاوب السلطة التشريعية مع ما هو مطروح من تعديلات تطال بعض القوانين الأساسية والتي لا يجوز الفصل في ما بينها. فكيف يمكن مثلا البت بآلية مكافحة الفساد قبل اتمام تأمين استقلالية القضاء؟ وكيف يمكن ملاحقة فلان او فلان وقد تم تعطيل آلية رفع الحصانة عن رؤساء الحكومات والوزراء والنواب كما كانت مطروحة في الجلسة التشريعية الأخيرة؟

وامام هذه النماذج من سلسلة المصاعب والعقبات التي تحول دون انطلاق الخطوة لا بد من انتظار طريقة تلقفها من قبل صندوق النقد الدولي الذي باشرت وزارة المال مخاطبته منذ امس الى جانب البنك الدولي وغيرها من المؤسسات المانحة والجهات المكلّفة بتنفيذ مقررات “سيدر واحد”  التي يمكن ان توفر الأموال الضرورية للاقلاع بالخطة.

وكل ذلك يجري على وقع مواقف اميركية وفرنسية واممية تنادي بالإصلاحات المطلوبة قبل طلب اي دعم. وما يزيد الطين بلة داخليا ان ارتفعت فيه أصوات جمعية المصارف امس وقبلها نقابة المحامين ومن معهم اعتراضا على آلية اقرار الخطة ومضمونها دون موافقتهما ومعهم مجموعة نقابات المهن الحرة وقيادات سياسية وحزبية ونيابية لا يمكن ان تمنح الحكومة الثقة المطلوبة لخطة من هذا النوع. وعندها من اين ستأتي هذه الحكومة بالقوة القادرة للمضي في خطتها وفي مواقع السلطة من لا يزال يعيش ظروف ما قبل 17 تشرين ولا يرى موجبا لتغيير اي من طموحاته؟

المصدر:”المركزية”