ثلاثية “بطالة، فقر، غلاء”..بمناسبة”عيد العمال”!

طغت ثلاثية “بطالة، فقر، غلاء” كصيغة بديلة عن معادلة “الجيش والشعب والمقاومة” التي كانت ترد في أكثر من بيان وزاري. واليوم تسود حالة من الجدل الواسع في لبنان، بشأن الإحتفال بعيد العمال أم بعيد “العاطلين من العمل”، فتداول نشطاء على وسائل التواصل الإجتماعي منشورات نعت العيد التقليدي، عبروا فيها أن “عيد البطالة” هو “عيد الأكثرية” الأقرب إلى الواقع وأنه لم تعد المطالبة بحقوق العامل اللبناني أولوية بقدر ما صار “توفير فرص العمل” مطلباً أساسياً.

ثمانية وعشرون تدبيراً أصدرها حاكم مصرف لبنان المركزي، عجزت عن لجم تدهور الليرة وتفاقم أزمة البطالة في البلاد إذ فشلت معظم التعاميم في دفع المصارف إلى إقراض المؤسسات بخاصة المتعثرة منها أموالاً بفائدة صفر بالمائة لتمكينها من تسديد الأكلاف التشغيلية ودفع أجور العاملين لديها لمساعدتهم على تخطي الأزمة وضمان استمرار عمل شركاتهم.

فتوجهت أغلب المنشآت الإنتاجية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى الإقفال أو الصرف التعسفي، ما ينذر بانفجار اجتماعي وثورة بطالة وجوع قادمة!

234 طلب تشاور

وفي حديث مع مدير عام وزارة العمل بالإنابة مارلين عطالله علمت “نداء الوطن” أن طلبات التشاور وإنهاء العقود التي تمّ التقدُّم بها إلى وزارة العمل منذ 17 تشرين الأول من العام 2019 لغاية 30 نيسان 2020 قد بلغت الـ234 طلباً كما خسر 5012 أجيراً مسجلاً في الوزارة عملهم، وهو رقم مرتفع جداً بالمقارنة مع السنوات الماضية، رغم أنه لا يعكس حقيقة الواقع أو الرقم الفعلي الذي يفوق ما يتم التصريح به إلى الوزارة قانوناً.

من جهتها شددت وزيرة العمل لميا يمّين في بيان صدر عن مكتبها الإعلامي، على أن “المرحلة الراهنة تتطلب من أصحاب العمل والعمال التكاتف والتعاضد كل من موقعه من أجل الحفاظ على السلم الاجتماعي واجتياز الأزمة الحالية بتعاون للعبور بلبنان الى مرحلة الاستقرار” مؤكدة أن “الحكومة بكل مكوناتها تلعب دوراً محورياً في سبيل الحفاظ على ديمومة العمل من جهة والحفاظ على مكتسبات الموظفين والعمال من جهة ثانية وهي ستعمل على تقديم المساعدات وفق الإمكانات المتاحة”.

كما أملت الوزيرة من المؤسسات الوقوف إلى جانب العاملين فيها لتمكينهم من اجتياز هذه المرحلة، من خلال دفع الرواتب والمعاشات لهؤلاء بغض النظر عن دوام العمل الذي فرضته الإجراءات الوقائية المتخذة لمواجهة فيروس كورونا”.

“هي نعوة للعمال وليست عيداً” قال الناشط الحقوقي وسام الخضري لـ”نداء الوطن” وأكمل “من المتوقع أن تزيد معدلات الهجرة بشكل هستيري بمجرد الإعلان عن انتهاء فترة التعبئة العامة، فأعداد العاطلين من العمل إلى تزايد بشكل يومي ناهيك عن تعرض موظفي الشركات الخاصة لضغوط معيشية وحياتية صعبة بسبب توقف رواتبهم أو خفضها إلى النصف أو الحسم منها بسبب تراجع سعر الصرف وتراجع ساعات العمل في زمن الكورونا“.

وأكمل “فقد آلاف المنتمين إلى الطبقة العمالية الموقتة مصادر رزقهم وتراجعت تحويلات المغتربين والمنتشرين التي تساند الأسر، فهناك أربعة ملايين وخمسمائة ألف دولار يومياً يتم تسليمها “باللبناني” على سعر 3200 أي بخسارة مئة وعشرة آلاف ليرة لكل مئة دولار أي هناك من يربح 4 مليارات و950 مليون ليرة من تحويلات المغتربين على حساب الشعب العاطل عن العمل والفقير”.

وختم “إن فشل السياسات الاقتصادية لحكومة “مواجهة التحديات” أسهم في تعاظم معدلات البطالة ولا شك أن الإعتبارات الحزبية التي تحكم التوجهات الإقتصادية للدولة مست بفعاليتها على الصعيد الإقتصادي لذا وفي هذا اليوم الأسود، لربما علينا أن نوجه سهام لومنا إلى مكمن الفشل وأن نساند كأفراد بعضنا البعض وندعم كل عامل طاردته قرارات هذه الحكومة ووصلت إلى مصدر رزقه”.

إنكماش إقتصادي

في أسوأ تراجع منذ 1975، توقع الإقتصادي جاسم عجاقة لـ”نداء الوطن” انكماش إقتصاد لبنان بنسبة 40% في 2020 بسبب تداعيات تفشي وباء كورونا، وتوقع “ألا يعود الحال إلى مستويات ما قبل الجائحة ما لم تُضخ أموال بشكل من الأشكال في السوق، فقد أضر تعطل التجارة العالمية بسبب الجائحة بسوق العمل في لبنان، بينما أدت إجراءات العزل المحلية لاحتواء الفيروس إلى سحق الإنفاق الإستهلاكي”.على أثر ذلك، قال عجاقة “إن انفاق المستهلكين، المحرك التقليدي للإقتصاد اللبناني، تراجع بنسبة كبيرة في حين هوت استثمارات الشركات بالتوازي”.

وأضاف “اعتماداً على قاعدة أن كل شهر اقفال هو انكماش بالناتج المحلي الاجمالي بين الـ1 والنصف والـ3%، من المرجح أن يتراجع إجمالي الناتج المحلي بنحو 12% وهو أمر غير مسبوق في تاريخ لبنان الحديث بخاصة في ظل إغلاق المتاجر والشركات ولزوم المستهلكين منازلهم”.وعزا عجاقة هذه التوقعات المتشائمة إلى تعاظم معدلات البطالة التي رأى أنها ستصل إلى الـ70% إذ يقبع حالياً عامل لبناني من كل عاملين في بطالة جزئية، في حين سيتراوح العجز في الموازنة بين الـ13 والـ15% إلى جانب أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي ستقفز بنسب كبيرة.

وأوضح أنه لا يتوقع أن يتعافى الإقتصاد اللبناني بعد انتهاء الأزمة بسبب استحالة قدرة الدولة على رفع الضرائب في هذه المرحلة وانعدام قدرة المصرف المركزي على ضخ أموال في السوق وبسبب إشكالات بنيوية في إدارة الموازنة لافتاً أنه غير متفائل بحدوث تحول كبير على الأوضاع الإقتصادية.أما المشكلة الكبرى فتكمن في صعوبة طرح الحلول، ذلك بالأخص مع تراجع المكانة الإئتمانية للدولة بحكم تخلفها عن دفع استحقاقات اليوروبوندز من جهة وتورط العديد من القيادات السياسية في قضايا فساد من جهة أخرى، ما يمثل مسّاً بالثقة بالساسة اللبنانيين وبالبيئة الاستثمارية في الدولة لأنه يفاقم مستويات الخطر.

المصدر:”نداء الوطن”