خرجَ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في كلمةٍ متلفزة كان يجدر به أن يوضحَ خلالها حقيقة ما يجري بالأرقام والأسماء والاسباب التي ادت الى ما هو حاصل اليوم من عدم استقرار نقدي وانهيار للاقتصاد اللبناني، ولكن كما هو متوقعٌ لم يقدم أيّ شيءٍ جديدٍ من شأنه المساهمة في فهم ما يجري، وعوضًا عن ذلك حمَّلَ المسؤولية للحكومات المتعاقبة معلّلًا ذلك بأنها هي من تصرف الأموال وتتحكَّم بالميزانيّات.
وأسهب بالشرح المفصَّل عن مجلسهِ المركزي المكوّن من 4 نواب له مع مفوض حكومة بالاضافة الى مدير عام وزارة المالية ومدير عام وزارة الاقتصاد.
اذًا هو يقول انه لا يتفرد بالقرارات بل المجلس هو من يتخذ القرارات التي تنقل الى وزير المال وبالتالي الحكومة عبر مفوّضها لدى مصرف لبنان.وزير المال وبعد التدقيق بالقرارات المُرسَلة يقوم بالمصادقة عليها أو ابداء الملاحظات أو التعديلات المطلوبة لكي يصار الى تبنيها من قبل الحكومة أو رفضها.
هنا نسأل هل قام يومًا ما أي وزير مالية أو مفوض حكومة أو حتى حكومة ما برفضِ قراراتِ حاكم مصرف لبنان على مدى ثلاثين عامًا؟ هل جهة ما انتقدت سياسات وهندسات وخطط حاكم مصرف لبنان في أي وقتٍ من الأوقات؟
الجواب قطعًا لا، لأن القوى السياسية في البلد تستفيد من تلك الهندسات كلّها والمشاريع والخطط التي تصدر عن حاكم مصرف لبنان. وكيف لا، فهذه القوى السياسية هي التي تسنّ قوانين الانتخاب والتي بدورها تأتي بالكتل النيابية وهي نفسها التي تشكل الحكومات وتعيّن الموفدين والمديرين العامين ونواب الحاكم. أي أنّ هذه القوى هي التي تشكّل المجلس المركزي لحاكم مصرف لبنان.
من هنا نفهم احتدام وشراسة المعركة عند الاستحقاق المعني بتعيينات نواب حاكم مصرف لبنان ومفوض الحكومة. ما نقوله هو بديهيٌّ ولسنا نكشف أي خبايا بل نشرح العلاقة القانونية بين حاكم مصرف لبنان والحكومات، وبالتالي فإن جميع الأطراف على درايةٍ تامة لمسؤولياتها في هذه العلاقة، انطلاقًا من الحاكم مرورًا بالحكومة وصولًا الى مجلس النواب. وعليه، وفي ظلّ هذه الاحداث المستجدّة، تُطرَح تساؤلات عن اداء كلّ طرفٍ:
1- ماذا عن دور وزراء المال المتعاقبين وآخرهم علي حسن خليل وعلى مدى عشر سنوات ماذا كان يفعل هؤلاء؟ أين كان دورهم الرقابي ولماذا لم يقم أيّ منهم بمهامه وصلاحياته بالتدخل لتصويب سياسات البنك المركزي؟ لماذا اكتفى الوزراء بلعبِ دور الموظفِ برتبة “محاسب” بدل ممارستهم لصلاحياتهم كوزراء مالية؟ لمصلحة من أتى هذا الانكفاء والتخاذل والتقاعس؟
2- لماذا لم نسمع من رؤساء الحكومات المتعاقبين وابرزهم فؤاد السنيورة وآخرهم سعد الحريري أي انتقادٍ لسياسات حاكم مصرف لبنان على مدى ثلاثين عامًا؟ هل غياب المساءلة يأتي بسبب عدم درايتكم بتلك القرارات أو السياسات؟ إن كنتم تدرون فهي مصيبة وإن كنتم لا تدرون فالمصيبة أعظم.
3- مجلس النواب ينتقد عبر نوابهِ فزلكات الموازنات ومن ثم يصدّق عليها، ينتقد الحكومات ومن ثم يعطيها الثقة، يتكلّم بقوانين ومشاريع قوانين ثم لا يصادق عليها، الكتل النيابية كلّها تنتقد عمل الحكومات التي أصلًا أتت بتمسية الكتل النيابية لها، ولكن في نهاية المطاف لا يتم توجيه مساءلة لأي حكومة. فعل يعقل أن يحاسِبَ المرء نفسه؟ طبعًا لا.
4- المجلس النيابي، دوره رقابيٌّ وتشريعيُّ، والمجلس لم يلجم أي وزارة هدرت المال العام بل لم يسجل حالة واحدة بمحاسبةٍ واحدة وزير أو حتى مدير عام واحد على مدى ثلاثين سنة! هل هذا طبيعي؟ طبعًا لا.
5- الجمعيات الدينية والمراجع الروحية والطائفية والمذهبية لم يختلف أداؤها عن الجميع فكان مثل اداء المجلس النيابي تمامًا، الكثير من العظات من دون أفعال تذكر. بل انبرى رأس الكنيسة المارونية على الدفاع عن رياض سلامة من موقعٍ طائفي مذهبي متجاهلًا أنّ الانهيار الحاصل لا يطاول الموارنة فقط بل كلّ المجتمع اللبناني بكافةِ طوائفهِ، وكان تجريم رياض سلامة يجب أن يقابله تجريم منصبٍ ما من طائفةٍ ما في مكان ما.
من ما سلف نتأكد من أنّ رياض سلامة يشكّل خط الدفاع الأول عن هذه المنظومة الفاسدة، والمهندس والمصدر الأول لتمويل هذه المنظومة. حيث أنّ التخلي عنه من قبل هذه المنظومة لن يتم إلّا بتضييق الخناق عليه وهذا ما يفعله الرئيس دياب. إذ بتكليفهِ لشركةٍ عالمية مستقلة من أجل تدقيق الحسابات نكون أمام بداية كشف المستور وفضح المفضوح ولكن بطريقةٍ علمية مستندة الى الارقام التي لا يمكن تكذيبها.
عندها ستبدأ المساومات من قبل تلك المنظومة. قد تكون احداها بتقديم سلامة ككبشِ محرقة أو تقديم بعضٍ من ازلامها بعد الاستفادة منهم على مدى ثلاثين سنة. لأن المسؤولية مشتركة بين هذه السلطة السياسية الفاسدة ومصرف لبنان وحاكمه وجمعية المصارف والمصارف الخاصة، الجميع متورطٌ بتعزيز الفساد والكلّ متفقٌ على استقرار هذه المنظومة، إلّا إن أتى من يسأل حاكم مصرف لبنان علنًا ماذا فعلت وما أنت فاعل.
المصدر:”ليبانون ديبايت”