تعكس أجواء رؤساء الحكومة السابقين تأكيداً بأنّ العين ليست في كرسيّ رئاسة الحكومة بل عليها. وإذا كانت الاجتماعات الدوريّة المعقودة لا تشكّل إطاراً مؤسّساتيّاً، إلا أنّها تمثّل صافرة إنذارٍ تحذيريّة كلّما دعت الحاجة إلى تذكير الحكومة بضرورة الإبتعاد عن السير بين أسلاك المحاذير الدستوريّة. ولعلّ أكثر ما يثير هواجس الرؤساء السابقين هو ما بدأ يتظهّر أمام قراءتهم السياسية من محاولات متكرّرة للمساس بالدستور واتفاق الطائف. ويندرج التصويب على أداء رئيس الحكومة حسّان دياب في إطار الحضّ على أكل العنب لا قتل الناطور.
وتُصوّر مقاربة الرئيس نجيب ميقاتي مشهد المراقب الذي ينتظر أن يقدّم دياب للبنانيين سلّة فاكهة بدلاً من تعبئتها بالنبات المرّ، وهو لا يتردّد في التأكيد لـ”النهار” بأنّ “تحركنا نحن رؤساء الحكومة السابقين يعكس حرصاً على لبنان، ولا خلاف شخصيّاً مع رئيس الحكومة.
ولا يعني الاعتراض على نهجه أو تقديم أي اقتراح أن في نيّتنا إزاحته من رئاسة الحكومة، ونحن ندرك حجم المسؤوليّات والتحدّيات القائمة والخطيرة، بيد أنّ رئيس الحكومة يتلهّى عن العمل المطلوب منه، عبر فتح الباب أمام السجالات مع المعارضة في كلّ جلسة وزارية محمّلاً المسؤولية للحقبة الماضية… وكأنه ممنوعٌ على المعارضة أن تعبّر عن رأيها. وهنا لا بدّ من التساؤل: ألم يكن يعلم بالماضي؟ وإلى أين هو آت؟ فإذا كان يعلم فإنها مشكلة، وإذا لم يكن يعلم فالمشكلة أكبر”.
ويتساءل ميقاتي، في ما يصفه بمثابة تعبيرٍ جليّ عن التناقض في تصرّفات رئيس الحكومة: “من وضع بند التعيينات المصرفية والسير الذاتية للمقترحين للتعيين على جدول الأعمال؟ أليس رئيس الحكومة نفسه؟ فكيف به يناقض نفسه بعدما سحب البند من جدول أعمال الجلسة الوزارية وحاول الظهور بمظهر الاصلاحي؟ ونورد هنا أيضا مثلاً بسيطاً عن نتائج أداء هذه الحكومة رغم عمرها القصير، فالدولار في السنوات الثماني والعشرين الماضية لم يهتزّ، بينما دولار أيام حسّان دياب تضاعف حجمه ثلاث مرّاتٍ على حساب الليرة. فليركّز رئيس الحكومة جهده على العمل بدل التلهي بالسجالات الجانبية أو بافتعال بطولات وهمية”.
الثمرة التي يهمّ رؤساء الحكومة السابقون أن يحسن دياب الحفاظ عليها هي موقع رئاسة الحكومة، لكن الأداء لا يوحي بذلك في رأي ميقاتي، إذ “نلاحظ تبديلاً واضحاً في ممارسة السلطة بقوّة الأمر الواقع وتجاوز الدستور والصلاحيات، من نظام ديموقراطيّ إلى رئاسيّ، وهذا أمر خطير حذّرت منه مراراً، وأخشى إذا استمر الوضع على ما هو عليه أن تتخذ الأمور اتجاهات أخرى، أحدُ لا يعلم إلى أين يمكن أن تؤدي”.
ويرى ميقاتي أنّ “تبديل الحكومة ليس سهلاً اليوم بل نريد منها أداءً على مستوى التحديات لا مجرّد بالونات إعلامية فارغة المضمون وخطب رنانة لا تجد ترجمتها، كما حصل في مقاربة موضوع حاكمية مصرف لبنان. ويبقى الأهم أنّ على رئيس الحكومة التنبّه إلى أن هناك من يتمترس خلف مقام رئاسة مجلس الوزراء لفتح معارك سياسية كيدية، وعليه ألا يقبل تغطية هذه المعارك وأن يدرك خطورتها وأبعادها على التوازنات السياسية التي يقوم عليها لبنان، وعلى موقع رئاسة مجلس الوزراء المطلوب ألا يكون في موقف التبعية لسياسات تتقرر خارج الأطر المؤسساتية وتكلّف الحكومة التصديق عليها”.
وعن مشهد الفوضى الذي بدأ يلقي بظلاله على الاحتجاجات الشعبية، يأسف ميقاتي أن “تتحوّل التحرّكات السلميّة إلى تخريبيّة. فهل تكمن المصلحة الشعبيّة في تكسير المؤسسات العامة والخاصة وفي تكسير واجهات المصارف وإحراقها في طرابلس ما يكبّد أبناء المدينة عناء الانتقال إلى مناطق أخرى إذا ما أرادوا إجراء معاملات مصرفية؟ وهل من مصلحة طرابلس مواجهة الجيش؟ وهل الدخول إلى بيوت السياسيين يساهم في استيلاد الحلول؟ أنا متأكّد بأن الطرابلسيين على ثقة كاملة بالجيش ودوره.
ولا يصبّ الحراك الثوريّ الحاصل في مصلحة الأهداف المتوخّاة، ولا يصحّح المسار أو يساهم في استقطاب الاستثمارات إلى الفيحاء. هناك خلط في مقاربة المواضيع. فنحن النواب لسنا السلطة التنفيذية بل نضطلع بدورنا النيابيّ – الرقابيّ، ولا يجوز أن نُحمّل مسؤولية السلطة التنفيذية”.
ويخلص إلى أن “الفوضى عفويّة ولا شكّ في ذلك، وهناك من بين المتظاهرين من ليس لديه ما يخسره ويتحرّك من تلقائه، لكن ثمّة من يعرف كيفية التخطيط لاستعمال كرة الغضب الشعبيّ في الملعب الذي يريده مستفيداً من المشهد القائم، ولذلك فإنني أناشد القيّمين على الحراك الشعبي التنبه إلى هذا الأمر ومنع استغلال التحركات المحقّة لمآرب أخرى ليس لها علاقة بمطالب الناس، لا بل إنّها تنعكس سلباً على التحركات المطلبية وأحقيتها”.
المصدر:”النهار”