بدأت الأوساط السياسية المطلعة تشكك في إمكان إحداث التغيير المطلوب للخروج من الأزمة ووضع لبنان على طريق الحلول السياسية والاقتصادية والمالية والنقدية والمصرفية والاجتماعية.
وتستند هذه الأوساط في مخاوفها الى ما تسمعه من جهات دبلوماسية فاعلة من شبه “يأس كامل” من قدرة أركان السلطة على اتخاذ القرارات المطلوبة، لا بل أن البعض منهم يتحدث عن “عدم رغبة” هؤلاء في ولوج أبواب الحلول.
ويشكو متابعون عرب وأجانب للوضع اللبناني من مزيج من الجهل والعجز والتواطؤ يطبع إداء المنظومة الممسكة بالسلطة في لبنان، ويبدون مخاوف جدية من أن تكون الأمور في طريقها الى مزيد من الانهيارات التي تؤدي الى الفوضى بفعل غياب البديل السياسي الحقيقي والجدي، وإصرار معظم الطبقة السياسية على العمل تحت سقف التسوية التي عقدوها مع حزب الله مباشرة أو مداورة في العام 2016.
وبحسب المعلومات التي يتم التداول بها في الأوساط الدبلوماسية العربية والدولية فإن الطبقة السياسية ليست منقسمة بين مشروعين وإما هي منقسمة على قاعدة توزيع السلطة.
ففي حين يرى البعض من هؤلاء أن المخرج هو في تعويم تسوية العام 2016 من خلال إعادة إنتاجها بصيغة حكومية جديدة، يرى البعض الآخر أن الحاجة باتت ضرورية لتسوية جديدة كل التغيير فيها تعزيز موقعه في السلطة من ضمن المسارات الاستراتيجية ذاتها التي تحكم الوضع اللبناني.
والخطير في هاتين المقاربتين أنهما تجتمعان على تجاهل الرأي العام اللبناني والمصالح الحيوية الاقتصادية والمعيشية للشعب اللبناني، وتعتبران وكأن لا ثورة حصلت في لبنان، ولا شعب انتفض، ولا ثقة بالطبقة السياسية فقدت.
وقد جاء موقف المجلس النيابي من رفض تقصير ولايته من أجل الذهاب الى انتخابات نيابية مبكرة تعيد الثقة بين الشعب اللبناني والسلطة، وفقا لما اقترحته كتلة نواب الكتائب برئاسة النائب سامي الجميل، في محاولة لاعادة ترميم الثقة بين الشعب اللبناني ودولته، ليثبت أن منظومة السلطة مصرة على صفقة التسوية التي سبق ان عقدتها، وهي متمسكة بمبدأ الحفاظ عليها ولو من خلال إعادة توزيع للحصص فيها.
ويبدي المتابعون لهذا الملف من دعاة الانتخابات النيابية المبكرة دهشتهم لمستوى التجاهل الذي تتعاطى به المنظومة السياسية مع مطالب الناس، ذلك أن انقسام هذه المنظومة بين حاكمين ومعارضين يقوم على قاعدة الخلاف على تقاسم الحصص لا على أساس تنافس المشاريع.
فالظاهر أن مشروع كل من الحاكمين والمعارضين من المنتمين الى منظومة التسوية هو نفسه، وكل ما يتقاتلون من أجله هو تقاسم جديد للسلطة في ما بينهم، لا عملية انتاج جديدة للسلطة وفقا للأصول الدستورية والديمقراطية.
والمؤسف في كل هذه المشهدية أن نواب الكتائب وبعض النواب المستقلين باتوا وحيدين في المؤسسات الدستورية الذين يطالبون بحلول جذرية تقوم على نسف كل منطق التسويات والصفقات والمحاصصات، في حين أن المعارضين من داخل التسوية لا يزالون يرفضون الاعتراف بخطأ ما أقدموا عليه، ويتجنبون العمل الفعلي على إسقاطها… وأقصى ما يتطلعون اليه تركيبة حكومية جديدة تعيدهم الى “جنة الحكم” للبحث عن شراكة في المصالح بدل العمل على شراكة في إنتاج الحلول السياسية والاقتصادية.
المصدر:”ليبانون ديبايت”