في الساعات الأخيرة اتّخذت تطوّرات الشارع والمواقف التصعيدية على الجبهة السياسية منحى أكثر خطورة ودراماتيكية يُنبِئ بمسارٍ يغلّب أكثر احتمال إنتشار الفوضى على “الإحتواء”.
فيما تتعافى الدولة المريضة من شظايا فيروس كورونا الذي اجتاح كوكب الأرض ترتفع “حرارتها” أكثر مع خوضها معركة البقاء في مواجهة “زعماء” التركيبة الحاكمة السابقة. حكومة حسان دياب لا خيارات أمامها: يا قاتل يا مقتول!!
يصرّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على أنّ “الدني عم بتشتّي” لا أكثر من ذلك. الرأي العام ورئاستا الجمهورية والحكومة ضدّه، والليرة الساقطة تدينه. مع ذلك، الرجل يتحصّن بدرع حماية أميركي وكارتيل هبّ لنجدته في وقت الخطر. الوضع الاقتصادي المالي بكلمةٍ واحدة: كارثيٌّ. من يدخل الى المحال التجارية والسوبر ماركت هو فعليًا على أرض “مسلخ”.
حاليًا على مرأى من الحكومة والسلطة تستكمل إحدى أكبر عمليات النهب في تاريخ الشعوب. من الودائع المتبخّرة في المصارف الى رفوف الجبنة واللبنة والخضروات التي تحوّلت الى كافيار. لا رحمة!
يحدث ذلك في ظلِّ معركةٍ مفتوحة بين مُعسكرين يتقاتلان فوق رؤوس الجيّاع، ومع شعور الحكومة في ظل العملية الانتحارية التي تنفّذها داخل “وكر الأفاعي” بأن “حلفاء السياسة” لا يصلون الى نصفِ عددِ اصابع اليدّ الواحدة. الأرض تغلي والشارع، بحساباتٍ متعدّدة، نَزَع الكمامة ليخوض الجولة الثانية من معركة تكسير رأس السلطة.
أين يمكن أن يصُرف هذا المشهد؟ يجزم مطلعون أنّ المؤشرات الحالكة السواد في الأروقة السياسية يستحيل أن تبقى معزولة في غرف اللاعبين.
وفي هذه الحال تصبّ الأنظار مجددًا على الجيش والقوى الأمنية. بروفا ليل الأحد ويوم الاثنين في قطع الطرقات والتصدّي للمتظاهرين تبدو مجرّد تحمية تترافق مع الرَفع التدريجي لإجراءات التعبئة العامة ما سيوسّع بيكار التحرّكات، لكن القرار الأمني السياسي واضحٌ وثابتٌ “لا إسقاط للحكومة في الشارع ولا صدام مع المعتصمين ولا قطع طرقات”.
هذه المرّة ترفع الجهوزية الأمنية والعسكرية لمواجهة “الثوار” أو أي توتراتٍ أمنية وطائفية في المناطق في ظلِّ واقعٍ مأساويٍّ بات يعبّر عنه الضباط والعسكر: إستنزاف كامل للراتب أحَالَه ارتفاع الدولار الجنوني الى “ربع راتبٍ”!
لم يعد الشارع المُنفجر على وقع الارتفاع الهستيري للدولار منبع القلق الوحيد. في الآونة الأخيرة سجّل المرصد الأمني حركة غير اعتيادية على مستوى التسلّح الفردي في المنازل والمؤسّسات. الأمن الاجتماعي بندٌ حاضر دائمًا على طاولة المجلس الأعلى للدفاع والإجتماعات الأمنية مع ارتفاع منسوب الجرائم، لكنه يأخذ أبعادًا أكثر خطورة حين يُربَط مباشرة بغرفةِ عملياتٍ سوداءٍ ويصبح لوجهة استخدامه أهدافًا أبعد من سرقة او إرتكابات جنائية.
فلهجة التصعيد السياسي والذي بدا النائب السابق وليد جنبلاط قائده الأعلى، انعكست توترات ظاهرة على الأرض يصعب أن ينحصرَ تأثيرها باحتجاجاتٍ شعبية فقط في المناطق، بل يمكن أن تتحوّلَ تدريجًا الى نزاعاتٍ وتوتراتٍ أمنية على خلفياتٍ محض سياسية مرتبطة برفع السقوف والتجييش الطائفي…. والسلاح متوافرٌ.
وهنا كلامٌ صريحٌ عن احتمال حصول مواجهاتٍ بين عناصر من حزب الله والحزب الاشتراكي أو الأخير والتيار الوطني الحر. ففي مناطق الجبل هناك خوفٌ حقيقيٌّ من انفلاتِ اللعبة دفع البعض الى التفكير جدّيًا بوضع خطة “ب” في حال حصول أي اشتباكٍ أمني بالنزوح صوب مناطق اكثر أمنًا مع استحضار لفوبيا 7 ايار.
مع العلم أنّ التيار الوطني الحر يحضر لوقفة احتجاجية يوم الخميس المقبل امام مصرف لبنان يتخوف البعض أن يتكرر خلالها الاعتداء الذي تعرض له عناصر التيار قبل اشهر من قبل مؤيدين للحزب الاشتراكي في المنطقة نفسها.
في المقابل، يجزم مطلعون أن حزب الله ليس بوارد تكرار التجربة وهو الساعي الأول لضبط اللعبة سياسيًا وحكوميًا، لكن في حالات الفوضى يكثر اللاعبون الذين يحاولون الاستثمار في الأرض لتغيير المعادلات تحت سقفِ مواجهةٍ مفتوحة اليوم بين واشنطن وحزب الله بسلاح الدولار.
بؤر التوتر المُحتملة مفتوحة على الاحتمالات كلّها في مناطق الشمال وبيروت والبقاع، فيما يبدو الجنوب الأكثر هدوءًا. وفق مصادر أمنية، لا تهديدات جدّية بإنفلات الوضع أو حدوث خضّات ذات أبعادٍ سياسية تقلب قواعد اللعبة، لكن المؤشّرات في السياسة بالغة الدقة وحسّاسة ويُخشى فعلاً من ترجمة ما يُطبخ من جانب قوى داخل أو خارج الحكومة، وأيضًا من وراء البحار، الى أمر عملياتٍ يؤدي الى اضطرابات أمنية قد تضع الحكومة أمام واقع يتجاوز بخطورته كل ما خبرته خلال الفترة الماضية.
المصدر:”ليبانون ديبايت”