تشرنوبيل سياسي في لبنان يحدث في هذه الأثناء. إذا كان المفاعل رقم ٤ أصل الكارثة في أوكرانيا فإن مفاعل مصرف لبنان يكاد يكون مماثلاً مع دائرة إشعاعات خطيرة.
منذ أكثر من ربع قرن تزوَجت الطبقة السياسية برمتها رجلاً واحِداً هو رياض سلامة. أنجَبَت منه بحبوحتها. بعد أكثر من خمسٍ وعشرين سنة تتقدم بدعوى طلاق من حاكمٍ قدّم لهذه الطبقة حياة زوجية نموذجية. حاكم كان بمثابة أرنولد شى وارزنغر للسياسة المالية في لبنان فإذا به يتحوّل إلى زوجٍ مخدوع وطليق غير مرغوب فيه.
منسوب الهجوم يكاد يلامس الفيضان. الحاكم مُدِرّ للفياضانات. كَمْ مشرّد لبناني ستُغرقه السيول؟ المعركة الطاحنة تُستَعمَل فيها ذخائر حية مصنوعة من جلود المواطنين ولحمهم ودمهم. شركات تدقيق دخلت على الخط في خطوة لافتة وبدوام كامل. لن يكون لدى المدققين متسع من الوقت للتدقيق بهدر الكهرباء والأملاك البحرية والتوظيف السياسي وتكاليف أحواض الزهور والأثاث في المرافق العامة والتهريب. الحاكم أخطر من كل هذا.
تشرنوبيل الثورة على وشك أن يثير نشاطاً بركانياً. حِمَمٌ من البطالة والفقر والغلاء الفاحش تبصقها فوهة البركان. قريباً وتبلغ البطالة حوالي ٦٥ بالمئة من نسبة السكان في لبنان. الرئيس الأميركي يوزّع ألفاً ومئتي دولار شهرياً على حوالي خمسة ملايين مواطن تقدموا بطلبات إعانة هذا الأسبوع. في لبنان تقدّم السلطة رياض سلامة رغيفاً يسدّ جوع الناس. ذبائح لبنانية على طريقة الڤودو وقبائل الأمازون.
العالم يجهد لإيجاد لقاح ضد كورونا. نحن في لبنان بحاجة إلى لقاح ضد شلل الدولة. دولة تُفَوكِسُ على رياض سلامة وتخاف من إرسال دورية على عقار مَحمي وقصر مسوّر. تعلو أصوات تطالب بمحاسبة الحاكمية. بالتأكيد. إنما بعد توفير لقاح الإصلاح الشامل. مصرف لبنان بقرة نقدية حلوب لم يبقَ سياسي في لبنان إلا وتمرّس في استدرار اللبن من أثدائها. في سن يأس مصرف لبنان تبحث السياسة عن أثداءٍ أخرى.
خلال هذه المسخرة لن نحصل نحن شعب لبنان العنيد على أي شيء على الإطلاق. سنكون فرق عملة. قريباً ونقرأ على نشرات الأخبار أنباء عن مهاجرين لبنانيين غير شرعيين يستقلون زورق زودياك تم اعتراضهم على سواحل قبرص واليونان وتركيا. شعب ربما سيكون مصيره بفعل هذه المسخرة الوطنية نصب خِيَم على حوض المتوسط والعيش على حساب برامج الأمم المتحدة للاجئين والنازحين.
في العام ٢٠٠٥ انسحبت سوريا الشقيقة من لبنان الشقيق. كلّفنا الإنسحاب دم رفيق الحريري وضغط الأمم المتحدة. سلطة وصاية هزمتها الدماء. قبلها بخمس سنوات سلطة إحتلال تنسحب ليتحرر لبنان من إرهاب ما يُسَمى دولة إسرائيل. أصعب أنواع الإحتلال والوصاية عندما يكون الوصي والمحتل من أقاربك اللَّزم. من شحمِك ولحمِك. لا الأمم المتحدة ولا أي قوة عظمى قادرة على تحريرك منه.
بالطبع معركة إسقاط سلامة مستمرة. ربما تُكشَف لنا معلومات عن ضلوع هذا الرجل في ارتكاب جريمة المسكب أيضاً. سيشعر بعد ذلك كل مواطن لبناني أن رياض سلامة دخل الى بيته وسرق مجوهرات زوجته من خزنة المطبخ. مسرح شكسبيري عَدَمي لإلهاء الناس فيما اللصوص الظرفاء يتنعّمون بمسروقاتهم وسط حاشية الخَدَم والحَشَم.
متعة تلمّس نبض الناس على مواقع التواصل. سلامة لا يتمتع بالجاذبية. نجحت السلطة في خلق بروفايل الحرامي وإلباسه ربطة عنق الحاكم. المحاكمة على ما يبدو وشيكة. سيتنبّه الناس أن مجزرة الدولار تشبِهُ إلى حد بعيد مجزرة كنيسة سيدة النجاة في الذوق. يدخل عبرها المتهم مداناً ثم يخرج بعد سنوات بريئاً من دم المؤمنين. رياض سلامة شكراً لخمسٍ وعشرين سنة من الإستقرار وعذراً عن كل الجنون الآتي.
المصدر:”ليبانون ديبايت”