مع عدم اعتراف التعليم العالي بشهادات التعليم عن بعد في “اللبنانية”..ما هو مصير الإمتحانات؟!

رغم التفاوت بين كليات الجامعة اللبنانية في تطبيق خطة التعليم عن بعد، خاضت الجامعة، إدارة وهيئة تعليمية وطلاباً، التجربة من الصفر وبإمكانات مالية ضئيلة. وفي وقت قياسي، تمكّنت بعض الكليات من إعادة تنظيم المقرّرات والبرامج المنهجية بما ينسجم مع طبيعة المحاضرات عن بعد، من خلال بذل مجهود تجاوز المعوّقات التقنية والاقتصادية.

ومع أنّ الصعوبات والتحديات تختلف ضمن الأقسام داخل الكلية الواحدة، وبين السنوات التعليمية، وتبعاً لأعداد الطلاب، إلاّ أن كثيرين ممن تهيّبوا الموقف في بداية الأمر، باتوا مقتنعين بضرورة اختبار الوسيلة الجديدة لكسب كفاءات ومهارات متنوّعة حتى لو لم تكن بديلاً عن التعليم الصفّي المباشر.

لكن في ظل هذا التفاوت، كيف يمكن تطبيق نظام الامتحانات الموحد في كل الكليات؟ وهل يمكن إجراء الامتحانات من دون العودة إلى الصفوف؟ وهل يمكن إلغاء الامتحانات الجزئية للفصل الأول التي لم تنجز في بعض الكليات وإصدار مرسوم تنظيمي على غرار المرسوم التنظيمي الصادر في العام 1974 الذي ألغى امتحانات الدورة الثانية في كلية العلوم للعام الدراسي 1974 – 1975، واعتبر ناجحاً من نال في الدورة الأولى 40 من 100 وما فوق؟ الامتحانات ستكون التحدي الأكبر أمام طلاب كثر يواجهون عوائق في التعليم عن بعد.

“التوجيهات الإدارية ودافعية الأساتذة جعلتا التعليم عن بعد يقطع أشواطاً في كلية التربية”، بحسب الأستاذة في الكلية غادة جوني التي أشارت إلى أن “الاستمرار في التعليم وتواصلنا مع بعضنا بعضاً على المنصات والمجموعات هو شكل من أشكال الدعم النفسي”.

جوني تمنّت لو أن التدريب على تقنيات هذا التعليم ومنهجيته جرى في وقت سابق للأزمة بما أن المنصة الالكترونية (Microsoft Teams) كانت متوفرة لدى الجامعة أساساً، خصوصاً أن “هناك فرقاً بين تطوير القدرات في أوقات طبيعية وتطويرها ونحن نعيش قلقاً على الحياة، كما أننا لم نعط الوقت الكافي لإحداث النقلة إلى التعليم أونلاين الذي يفرض هندسة مختلفة للدروس”.

ولفتت إلى أن “الدراسات العلمية تؤكد أنّ مقاربة التعليم عن بعد فرضت نفسها منذ 10 سنوات واقعاً لا يمكن تجاوزه في كل العالم”. من جهتها، الأستاذة في كلية الحقوق سابين الكك، اعتبرت أن “التعليم عن بعد” لا يوفّر التفاعل الإنساني والثقافي والاجتماعي والفكري مع الطلاب، ناهيك عن العائق القانوني المتمثّل بعدم اعتراف قانون التعليم العالي بشهادات التعليم عن بعد، وعدم احتساب ساعات الأساتذة المتعاقدين الذين يعانون أصلاً ظلماً بعدم إقرار ملف التفرغ.

إلاّ أنّه مع توسّع المعرفة الرقمية، “لا بدّ من أن نتقبل التكيّف مع وسيلة التعليم عن بعد لخلق نظام تعليمي منسجم مع العصر”.بحسب الكك، تواجه كلية الحقوق عائقاً مهماً هو الأعداد الكبيرة للطلاب في كل السنوات بما فيها الماستر. ولكن، رغم ذلك، كانت التجربة في الأسابيع القليلة الماضية “أكثر من مقبولة قياساً إلى أن الانطلاقة كانت من الصفر”.

ولأن الأزمة تلازمت مع فصل جديد وموادّ جديدة، كان من الضروري، كما تشرح الكك، أن يخصص الأساتذة المحاضرات الأولى لمساعدة الطالب على التأقلم مع مفاهيم المقرّرات، وقد اعتمد الأساتذة أكثر من وسيلة تكنولوجية لإعطاء محاضرة واحدة، منها التسجيلات الصوتية مع النماذج الرقمية للدروس ومع المحاضرات عبر الفيديو، ما يعني عملياً أنّ كل درس شرح عبر ثلاث وسائل لتخطي كل الصعوبات.

ولفتت إلى أن كلية الحقوق تعمد منذ سنوات إلى رقمنة العديد من المقرّرات المنهجية ووضعها الكترونياً في متناول الطلاب عندما لا يتعارض النشر مع حقوق الملكية الفكرية للكاتب.وفي كلية الإعلام، الصغيرة نسبياً، بُذلت جهود لوضع كل المقرّرات على منصة “MicrosoftTeams” وإرسال فيديوهات توضيحية إلى الأساتذة. وأكدت الأستاذة في الكلية، زينب خليل، سرعة تجاوب الطلاب وتعاونهم وانخراط نحو 70% من الأساتذة، “وهي خطوة أساسية لتعزيز المهارات الرقمية، وأفضل الحلول لعام دراسي مهدّد بالضياع”.

في المقابل، لم تبدأ الدراسة عن بعد في بعض فروع معهد العلوم الاجتماعية، ولا سيما الفرع الأول الذي لا يزال في طور تجميع عناوين البريد الالكتروني للطلاب وتدريب الأساتذة على استخدام المنصة الالكترونية. “إلاّ أن التعليم عن بعد لم يعد خياراً، بل أصبح ضرورة وواجباً أكاديمياً في التعليم الجامعي”، بحسب الأستاذة في المعهد رولا أبو شقرا. إلا أنه “لا يمكن أن يصبح بديلاً إلا بعد أقلمة المناهج، فنظام “LMD” المعتمد في كليات الجامعة يعير مساحة واسعة للجانب التطبيقي والأبحاث العلمية وهناك مواد ميدانية لا يمكن أن تُدرس عن بعد. وإذا طالت الأزمة، ينبغي ربط أنظمة التقييم بأنظمة التعليم”.

الأعمال التطبيقية والمخبرية أيضاً مؤجّلة، فبعض اختصاصات كلية الفنون ولا سيما المسرح والرسم، تحتاج إلى متابعة على الأرض، والطلاب لا يكتسبون، بحسب مصادر الأساتذة في الكلية، سوى 20% من مهاراتهم التطبيقية بواسطة التعليم عن بعد. والأمر نفسه ينطبق على الكليات الصحية مثل التمريض حيث الحصص تفاعلية والعمل اليدوي أساسي.
ورغم تهيّب بعض أساتذة كلية الهندسة التعليم عن بعد في بداية الأزمة، انخرطت الكلية، بحسب الأستاذ زهير الحاج، في العملية من خلال منصة ZOOM، وخصوصاً أن الأساتذة معتادون على إعطاء الدروس النظرية على PowerPoint، و«تتيح المنصة التفاعل بين الأساتذة والطلاب كما لو أننا في الصف، وتسجل المحاضرات ليستفيد منها الجميع».

المشكلة ليست تقنية
أما في كلية العلوم، فقد انفجرت المشاكل المنتظرة منذ اليوم الأول. بعض الطلاب كانوا غير قادرين على رؤية الفيديوهات المسجلة، وبعضهم لم يكن في حوزته سوى الهاتف لمتابعة كل الدروس. وبحسب مصادر أكاديمية في الكلية، تفاوتت ردود الفعل لدى الأساتذة بين من تحمّس للفكرة وبدأ في إظهار المهارات «التقنية»، رغم أنّ هذا النوع من التعليم يحتاج إلى تدريب على نهج تربوي، ومنهم من أبدى حرصاً على مصلحة الطلاب وخوفاً من أن يضيع العام الدراسي عليهم، فيما آثر آخرون الانتظار عسى أن تنجلي الأمور، ورفض قسم آخر الفكرة تماماً.
ضمن كلية العلوم، تختلف الصعوبات والتحديات، بين اختصاص علوم الحياة والرياضيات والمعلوماتية والإلكترونيك وغيرها، كما تختلف بين السنوات الأولى وسنوات التخصّص. لكن المشكلة الأساسية ليست لوجستية وحسب، بالنسبة إلى الأستاذة في الكلية وفاء نون، بل «تكمن في أنّ التعليم عن بعد لم يكن قبل أزمة كورونا ضمن ثقافتنا التعلّمية، فيما تطرح أسئلة عدة بشأن قدرة طلابنا على التعلّم الذاتي، وبالتالي يختلف تقييم نجاح التجربة وفقاً لسنوات التخصّص». تحتاج كليات الجامعة، بحسب نون، إلى تعديل المناهج لتتلاءم مع التعليم المتزامن (online) وغير المتزامن (offline)؛ وتحتاج ثانياً إلى تدريب الأساتذة والطلاب على وسائط التعليم والتقييم التي يمكن استخدامها تبعاً للاختصاصات والمواد والسنوات التخصّصية. التعليم عن بعد، بحسب نون، وسيلة وليست طريقة، واعتماده، بما هو متوفّر له في لبنان، يخالف مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية من حيث حقّ الإنسان في التعلم، كونه متاحاً لفئة محدّدة من الطلاب تمتلك الإمكانات المادية اللازمة. لكنها تبدو مقتنعة بخوض التجربة من أجل اكتساب كفاءات ومهارات جديدة.

المصدر:”الأخبار”