تقرير رامح حمية
عندما اندلعت الأحداث في سوريا عام 2011، كانت عرسال، المنطقة النائية في البقاع الشمالي، «البيت» الذي بقي يحتضن النازحين السوريين حتى فاقت أعدادهم أعداد العراسلة، واختنقت البلدة بـ 165 مخيماً، من دون أن «ترفع العشرة». ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على مدينة بعلبك وقرى الجوار، فتحت عرسال أبوابها مجدداً، وتشاركت العائلات العرسالية بيوتها مع العائلات النازحة التي تقدّر لجنة الطوارئ أن 80% منها (حوالى 12 ألف نازح) يسكنون لدى أقارب وأصدقاء ممن تربطهم بهم علاقات تجارية، فيما البقية يسكنون في 8 مراكز للإيواء، جُهّز آخرها أول أمس مع نزوح دفعة جديدة من «البعلبكيين».
تقوم عرسال بالحمل كله، مع الغياب الفاضح للدولة وإداراتها وهيئاتها الإغاثية والجمعيات الأممية التي ترفع شعار «تقديم يد العون» من دون أن «نرى هذه اليد»، كما يقول المعنيون. فعدا اللاجئين السوريين، وصل عدد النازحين من بعلبك والجوار وفق التقديرات إلى 14 ألف نازح. وبحسب سليمان كرنبي، أمين سر بلدية عرسال (المنحلة)، بلغ عدد النازحين المسجلين في البلدة 2800 عائلة، 300 منها قدمت بعد الإنذارات الأخيرة، «فيما فعلياً الأعداد أكثر بكثير نظراً إلى وجود عدد كبير غير مسجّل». ويتوزّع النازحون «ما بين 1800 فرد في مراكز الإيواء وما يقارب 12 ألفاً في منازل البلدة». وإذ ينتظر أهل عرسال وصول المزيد من النازحين مع اشتداد العدوان في محافظة بعلبك ـــ الهرمل، يحملون الهمّ مسبقاً، بسبب لامبالاة الأجهزة الرسمية. وتأسف أمينة سر لجنة هيئة إدارة الكوارث في المحافظة، ريما كرنبي، لهذا الغياب في ذروة الحاجة إلى الحضور، مؤكّدة أن أحداً في البلدة «لم يشعر ولو للحظة بأن الدولة معنية بهكذا ملف وطني جامع». وتسأل كرنبي «أين المساعدات التي نسمع عنها إعلامياً فقط؟ ولماذا تُخزّن في المستودعات ولا يتمّ توزيعها؟ وإن كانت أموالاً لماذا لا يتمّ تحويلها عبر شركات تحويل الأموال وفق أسماء النازحين؟».
وبسبب كل ذلك، بات الناس هناك يدركون أن الدولة تتعاطى معهم «بسلبية»، هذا ما يقوله النائب ملحم الحجيري، الذي يلمس «لمس اليد الغياب الكلي للسلطات المخولّة الاهتمام بهذا الملف، حتى أصبحنا نستشعر من الأهمال الحاصل ما هو أشبه بمؤامرة على الناس والمقاومة وبيئتها». ويستغرب الحجيري «الأخبار عن اجتماعات الحكومة والهيئة العليا للإغاثة وإدارة الكوارث التي نسمع عنها منذ أكثر من سنة»، متسائلاً «أين هي اليوم؟ ولماذا بلدة عرسال لم يصلها من المساعدات إلا 240 حصة غذائية؟ أي ما نسبته 3% من احتياجات النازحين». وأشار إلى أنه «منذ يومين، وعدنا بوصول المساعدات إلى عرسال ولكن حتى اللحظة لم تصل، وهذا الأمر سيتطرق إليه نواب كتلة الوفاء للمقاومة اليوم مع الحكومة».
الجمعيات والمنظمات الأممية تكثر من الإحصائيات ولا تقدّم شيئاً
ولم يقتصر هجوم الحجيري على الدولة وهيئاتها، وإنما طاول الجمعيات الأممية البالغ عددها 53، والتي يسجّل لغالبيتها الغياب الكامل «في حين يسجّل حضور إحصائي لعدد قليل منها»، ليقتصر العمل الفعلي فقط على الجمعيات المحلية (بحدود 14 جمعية) تعمل بقدرات متواضعة على تأمين أبسط مقوّمات المعيشة. والأنكى من ذلك، تشير كرنبي إلى أنه عقب التواصل مع عدد من المنظمات الدولية ومنها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، «كان ردّهم بأنهم لا يريدون توزيع مساعدات في الوقت الحالي، وهو الأمر الذي لم نفهمه ولم نعلم سببه». كما لفتت إلى أنه بعد التواصل مع جمعية دولية أخرى ذات حضور على الساحة اللبنانية، كان ردّها «بعدم التعاطي بملف النازحين اللبنانيين، وأنهم يجمعون في الوقت الحالي فقط داتا للنازحين». وتسأل كرنبي: «كيف تنظر هذه الجمعيات إلى هذا الملف الإنساني؟ إذا كان النازحون الذين يعيشون في منازل تتوافر لهم سائر الاحتياجات، فكيف الحال بالنازحين الموجودين في مراكز الإيواء، حيث لا غرف مضبوطة ولا تدفئة ولا وجبات غذائية؟»، مضيفة «نطالب اليوم بفتح ملف فساد هذه الجمعيات التي تكثر من الإحصائيات ولا تقدّم شيئاً».