(عباس الجوهري)
الخطاب موجه حصرًا لإخوتنا في الدين من الذين على أبصارهم غشاوة…
هل سمعتم أخبار البارحة عندما نشرت وسائل الإعلام خبرًا مفاده أن (الطائرات الإسرائيلية تغير على مواقع لحزب اللـ.ـه في الهرمل) من المؤكد أنكم لا تعرفون الهرمل إلّا على الخارطة، اذا فتشتم عنها في غوغل فستجدون أن المسافة بينها وبين غزة ٤٠٠ كلم، هي مدينة لبنانية على الحدود السورية، أنا واحد من أبنائها، وأعلم بأنه ليس فيها سني واحد، كلها شيعة، فيها أكثر من ٥٠ ألف نسمة، مؤخرًا بتنا نسمع الكثير من الدعاة على مواقع التواصل ومنابر المساجد ـ في مصر كمثال وهي بلدٌ عربي مسلم المسافة بينه وبين غزة (صفر) كلم ـ يقولون بأننا نحن الشيعة كفار، لقد تجاوزت الخمسين ولم أسمع احدًا من أهالي الهرمل كمثال يسب أبا بكر أو عمر، ولا سمعت مرة أحدًا يتهم السيدة عائشة بشيء، موضوع الخلاف المذهبي لا يشغل أي حيزٍ في أدبياتنا أو في تفكيرنا، نعم كنت أسمع الشيوخ في المساجد يحذّرون المتوجهين من أهلها لأداء فريضة الحج من الصلاة فرادى، ويحكمون ببطلان صلاتهم إن لم يؤدوها جماعة بإمامة إمام الحرم المكي، نحن في الهرمل تربينا وربينا أولادنا على تعاليم القرآن الكريم الذي دعانا للإعتصام بحبل الله، بل منذ صغرنا كان علماء الدين الذين أسسوا المقاwمة يزرعون في أذهاننا حب فلسطين ووجوب تحرير مقدساتها.
شوارع مدينتي مزينة بصوَر ٤٠٠ شهيد، عندما كان واحدهم يتوجه جنوبًا لقتال الاحتلال الإسرائيلي لم يكن بباله تحرير الجنوب فقط بل تحرير فلسطين، نعم كان ينادي (لبيك يا حسين) لأننا جميعاً نعتبر أن الحسين(ع) للسنة والشيعة معًا، وكأنه لا زال وحيدًا يدافع اليوم عن الأقصى لا ناصر له ولا معين.
منذ بداية طوفان الأقصى زاد عدد الصور التي تزين شوارع مدينتي، إنها صور الشهداء الجدد الذين يمموا وجوهم شطر جبهة الجنوب ليلبوا نداء غزة ويشاركوا اخوانهم في معركة إسنادها ضد الإحتلال، منهم أحد أقربائي، استشهد في آخر شهر رمضان وهو صائم، عمره بعمر الورد، ترك زوجته البالغة من العمر ٢٥سنة وأطفاله الثلاثة وذهب نحو فلسطين ليعود شهيدًا، هذه هي الهرمل التي شاهدتم صورها كيف كانت تحترق البارحة عندما هاجمها سلاح الجو الإسرائيلي، أولادنا ليلة البارحة عاشوا نفس لحظات الهلع التي يعيشها أطفال غزة، البيوت كلها تزعزعت من شدة الضربات، والمستشفيات عندنا أعلنت على أثر الضربة أنها بحاجة للتبرع بالدم من كل الفئات، الأبنية المستهدفة تدمرت بالكامل، ومساحات اللهب ملأت المكان، وبقينا حتى ساعات الفجر ننتشل جثث الشهداء من تحت الركام، وللأمانة فإن هؤلاء الشهداء ليسوا مدنيين بل هم من المقاwمين، والمراكز المستهدفة هي مراكز اسناد خلفية وظيفتها تمرير الصواريخ القادمة من ايران عبر سوريا مرورًا بمدينة القصير السورية القريبة من حدودنا، وهذا ليس سرًا بل هو أمر يعرفه العدو، لا بد أن اسم القصير قد لفت انتباهكم، نعم من المؤكد أنكم قد سمعتم بهذا الإسم، فهي المدينة السورية المتاخمة للحدود، وهي التي شغلت المعركة عليها عام ٢٠١٣ بين المقاومة والتكفيريين من سائر الجنسيات وسائل الإعلام في العالم بأسره، حتى أميركا نفسها تحدثت عنها، هي المدينة التي لم يبقَ داعية من دعاة السلاطين في مصر والخليج إلا ودعوا (لنصرتها)، واشرأبت عنق العرعور يومها من على منبر محطة صفا الوهابية وهو يقسم بأن المسلمين لن يسمحوا باسقاطها من بعد ما وقعت بأيدي جماعته التكفيريين الذين اجتاحوها وطردوا أهلها وجعلوها قاعدة عسكرية لإطلاق الصواريخ نحو الهرمل التي قصفتها اسرائيل البارحة، يومها لم يكن أحد من أهل الهرمل أو غيرهم من اللبنانيين قد أطلق طلقة عليها، ومع ذلك فقد بلغ عدد صواريخ الدواعش التي كانت تنطلق منها على أحياء الهرمل ٤٠٠ صاروخ تمهيدًا لاجتياحنا وذبح الرجال والأطفال لأنهم شيعة كما كانوا يصرحون، كنا يومها نعتقد أن الجماعة هدفهم طائفي مذهبي بحت، ثم عرفنا لاحقًا أن المسألة أكبر من ذلك بكثير، عرفنا أن سبب السيطرة على القصير هو كونها المعبر الاستراتيجي للصواريخ التي تدخل في إطار التحضير للمعركة الكبرى مع إسرائيل، وكونها المحطة الأساسية لعبور السلاح نحو الهرمل ومنها نحو الجنوب، ثم غزة، هل عرفتم الآن ما هو الرابط بين القصير السورية والهرمل اللبنانية، لقد كان لاستهداف الهرمل بالصواريخ من قبل الدواعش المتمركزين في القصير يومها، واستهداف اسرائيل للهرمل في الليلة الماضية نفس الغاية والهدف، وشهداء الهرمل الذين سقطوا منذ أكثر من ١٠ سنوات بصواريخ داعش، كما الشهداء الذين سقطوا البارحة بصواريخ إسرائيل، قد استشهدوا على نفس الطريق، طريق تحرير الأقصى، مراسم تشييعهم اليوم الثلاثاء الواقع فيه ١١ يونيو ٢٠٢٤، وسيكتب على قبر كل واحد منهم (شهيد على طريق القدس).