الفقر أخطر من الوباء وأشدّ إيلاماً!

ما زال الفقر يحتلّ الرقم الأول من بين القضايا الإنسانية الكثيرة التي تُحيط بنا.

وما زالت الحاجة تدفع ببعض الناس للسؤال من أجل تأمين قوت يومها.

وما زالت الإنسانية تفقد رونقها يومياً ويذهب ضحية ذلك بعض الدول التي ما زالت ترزح تحت خط الفقر.

وما زال الظلم يسيطر على بعض أرجاء المعمورة برغم العدل الكثير في هذه الدنيا.

صدّق أو لا تصدّق هناك مناطق تعيش دون حياة، وهناك بشر تتنفّس دون هواء.. كلامي هذا ليس مجازاً في اللغة لتجميل العبارة. فالعبارة ستبقى صفراء مهما أضفنا من المحسّنات اللفظية البديعية والصور البيانية. ليت الفقر محوراً او فقرة من كتاب كي نتجنّب المرور عليه. لكن الفقر واقع، فقر لبنان، فقر الشعب، فقر الأحياء الشعبية والمناطق المحرومة.

في الزمن الغابر، كنا نعتقد أن الحديث عن خمسة آلاف ليرة يطلبها رجل خمسيني من صديقه من باب الدعاية او الترويج لمقال. لكن الحقيقة أن هذا المبلغ الزهيد تعتاش منه عائلة في بعض الأحيان في بعض المناطق التي لا يعرفها البعض او لا يسمع عنها.

وكأنّ قدر لبنان من اقتصاده السيء لم يكن ينقصه سوى الكورونا التي أرخت بظلالها على هذا الشعب الكادح الصابر الذي بات يحلم بالحصول على ماله الخاص للعيش بكرامة.

لبنان الذي لطالما عانى من الظلم والحرمان عندما كانت سائر الدول تنعم برغد العيش، لبنان الذي يحاول بعض عشّاق الظهور استغلال فقر أهله لتأمين المساعدات لهم ولتصويرهم وهم بصورة العوز والحاجة، هكذا وبكل وقاحة.

وكأن هذا البلد لم يكن ينقصه سوى جائحة مثل الكورونا حتى يثور هذا الشعب مجدداً ضد البطالة الحقيقية والمقنّعة.

الفقراء لا يبكون من اجل وجبات لذيذة وملابس فاخرة وماركات عالمية ونظارات شمسية، الفقراء يبكون من أجل لقمة عيش تسدّ رمقهم وتسكت أطفالهم الجياع. والجائع لا يحتاج الى الكلام، الجائع يحتاج الى لقمة عيش وحياة عزيزة رغيدة.

الكورونا وباء خطير على البشرية جمعاء ، كلامٌ لا يختلف عليه الناس لكن الفقر والجوع والحرمان أليست أوبئة أيضاً؟ 
الموظفون الذين يتقاضون رواتبهم نهاية الشهر لا ضرر ولا أضرار من جلوسهم في المنازل وحجرهم. 

لكن عندما يُطلب من أصحاب المحال التجارية والمطاعم والحلّاقين والبسطات، وأشدّد على البسطات، في الشارع الذي يعتاش صاحبها من البطاطا والبندورة الإقفال التامّ من يعوّض لهؤلاء الذين يقطنون بيوتهم بالإيجار، الذين لا يملكون قوت يومهم إن لم يعملوا؟؟ 
المرض مخيف والوقاية ضرورية جداً لكن ألا يحق لهؤلاء أن يتم تعويضهم كي لا يموتوا من الجوع عوضاً عن الموت من الكورونا؟؟


بعض الناس أصبح لديهم مناعة ضد الأمراض المستعصية لكثرة ما عاشت وعانت. بعض المحال تفتح أبوابها بدافع الرزق ولو بمبلغ زهيد لان القليل افضل من العدم والجوع بالنسبة اليهم. أصحاب المحال الذين يفتحون أبوابهم سراً ويقفلون من الداخل على أنفسهم ليسوا مستهترين بكورونا ولا بحياتهم لكنهم اذا لم يفتحوا أبواب المحال سراً سيقومون بالتسوّل علانية لإطعام أولادهم.
سئمنا النظريات والتحليلات عن الجوع والفقر، فالعوز ليس كلمة والحرمان ليس مجموعة حروف. الفقر إحساس لا بل صوم عن الحياة لا يعرف معناه الا من يعيشه، من يبحث عن الخبز والماء لإطعام ابنه الصغير والشاي والخبز لتأمين احتياجات طفله الرضيع بسبب غلاء الحليب.


ها نحن نشتكي من السجن في المنزل بسبب كورونا، وبالمقابل توجد فئات تشتهي وجود السقوف لإيواء نفسها مع عائلاتها، أو لم نشهد حالات مماثلة خلال الثورة؟؟ ذاك الرجل الذي أراد النوم في العراء مع عائلته والامطار تهطل لولا بعض النفوس الخيّرة كي لا نقول الايادي، لأن العطاء من الله يزرعه في نفوس البعض وليس في أيديهم. نشكو من منازلنا ومن عدم الخروج علماً أن بعض الفئات لا تخرج بتاتاً لا بل لا تعرف أن هناك أماكن جميلة ينبغي عليها زيارتها وتأمل ان تجد مأوى لها يحميها من استغلال البعض وطمع البعض الآخر.

بعضنا خلال الحجر يخاف من السمنة والافراط في الأكل وينسى ان في بعض المناطق من يخاف من الجوع، من يخاف من فقدان الخبز والطحين لا بل الماء. والفرق كبير بين من يخاف السمنة ومن يخاف الجوع.. بعضنا يخاف الظلمة احياناً ولا يدري ان في هذا الكون من لم يعرف النور بتاتاً بل عاش في سراديب العتمة من المهد الى اللحد.

وأخيراً نستطيع القول أن هذا الفيروس ساوى الجميع بظلمه، ووحّد الجميع بالتباعد الاجتماعي وأزال الطبقات الاجتماعية “مؤقتاً” عسى أن يغيّر النفوس من الداخل فرُبّ جائحة نافعة.

المصدر:”لبنان24″