من الميدان وقراءة ماذا يقول المحللون الصهاينة والاعلام العبري…
يوماً بعد يوم ومع كل عملية عسكرية تحصل، تتكشّف فيها فصولٌ جديدة تحكي عن قدرات المقاومة اللبنانية في الصحف وشضاشات التلفزة الاسرائيلية، ليفاجأ العدوّ بسلاحٍ يُستخدم للمرّة الأولى، أو تقنيةٍ مهمّة تدخل بإتقان في حرب إسناد غزّة منذ السابع من تشرين الأوّل الماضي.
التطور التقني من أبرز ما كشفته الشهور الأخيرة لتعلنَ أنّ مقاومة لبنان لم تكن تراكم القوّة والسلاح فحسب، بل الخبرة التكنولوجية والتقنية التي اخترقت دفاعات العدو، ووصلت إلى أهدافٍ دقيقةٍ في عمليّات نوعية مثل إسقاط المنطاد، أو الانقضاض، أو الغارة غير المبسوقة في تاريخ الصراع، وغير ذلك من إنجازات اعترفت بها صحفُ العدوّ وقادته ومحلّلوه، ويعترفون بها مع كل عملية نوعية من عمليات المقاومة.
فمثلاً صحيفة «يديعوت أحرونوت» نقلت عن جنرال إسرائيلي رفيع، أن حزب الله يحتاج إلى نحو نصف ساعة لاستهداف الجنود الإسرائيليين بعد تحديد أماكنهم، أي أنّ سرعة ربط المعلومات بالقيادة ثم صدور الأمر بالتنفيذ للمجموعة المناسبة جغرافيًّا وتسلّحًا، كل ذلك في مدّة لا تتجاز نصف ساعة. أمّا عن كشف الهدف ومعرفة تحركات العدو رغم لجوئه إلى مواقع مستحدثة مخفية، فذلك من خلال قدرة استطلاع عالية عند الحزب وصفها بعض قادته العسكريين بـ “السيطرة المعلوماتية”، وهي قدرات تكنولوجية لا يزال العدو يجهل ماهيتها.
ومن الشواهد ايضاً اعتراف العدو غير مرة بقدرات الحزب العالية على الاختراق، فقد أشار معلّق الشؤون العسكرية في موقع “والا” أمير بوخبوط إلى العملية التي نفذها حزب الله في المطلّة بتاريخ 6 أيار 2024 وأدّت إلى مقتل جنديين “إسرائيلين”، بحسب قوله فإنّ “حزب الله مرة أخرى نجح في اختراق طبقة دفاعية تابعة لسلاح الجو وإدخال طائرة غير مأهولة مع مواد ناسفة، في هذه المرحلة، من غير الواضح إذا كان يتعلق الأمر بمحلّقة أو بطائرة بدون طيار، لكن في الجيش “الإسرائيلي” يقدِّرون أنَّ هذا الإطلاق هو ردّ على مهاجمة معسكر تابع لقوة الرضوان في جنوب لبنان”.
وأضاف أنَّ حزب الله قام في الآونة الأخيرة “بدمج أجهزة الرادار وأجهزة المراقبة والطائرات لجمع المعلومات والمراقبة والهجوم”، لافتًا إلى أنَّ “جنود الاحتياط الذين يخدمون على الحدود الشمالية يتحدّثون عن أن حزب الله يراقبهم على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وأنّ النشاطات غير العملياتية في المنطقة تكشفهم أمام أنظار حزب الله وتعرضهم للخطر”.
أما معلق الشؤون العربية في “القناة 12” الإسرائيلية يارون شنايدر فيرى أن “حزب الله يتعلّم من الحوادث السابقة، ومن استمرار القتال في الشمال، وهو يُدخل إلى المعركة وسائل جديدة ويقوم بتجربتها”، معتبرًا أنّ الحزب “أصبح لديه جرأة نارية أكثر، ويدمج بين عدة أنواع من الأسلحة نحو نقطة معيّنة في وقت واحد للتغلب على الوسائل الدفاعية قدر المستطاع ولتحقيق إصابات دقيقة وهذا ما نجح به في عرب العرامشة”. وقد قال إعلام العدو في تعليقه على تلك العملية النوعية : حزب الله علم تمامًا على ماذا يصوّب في عرب العرامشة.
وفي حديثها عن المسيرات وهي السلاح الكاسر للتوازن بحسب عنوان لصحيفة معاريف، فقد طوّرها الحزب لتصل إلى عمق الكيان متجاوزة كل دفاعات العدو البرية والبحرية، ونشرت الصحيفة المذكورة تقريرًا جاء في بعض فقراته : أن “هذا السلاح هو قنبلة ذكية استخدمها الروس أيضًا ضدّ الأوكرانيين في الحرب، حاليًا، السلاح الإيراني هو أداة القتال الجديدة لـ”نصر الله، ما مميزاته؟ هو أسرع من الطائرات من دون طيار، ودقيق أكثر بفضل نظام عمل الـ GPS. وهذا هو السبب الذي يجعل الجيش الإسرائيلي يعطل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) كلّ بضعة أيام”.
ويقرُّ العدوّ بأن حزب الله استخدم الأسلوب الأكثر فعالية ضد “إسرائيل” ويتم ذلك بطريقة منهجية، فقد عنونَ موقع “والا”: حزب الله شخّص ضعف الجيش الإسرائيلي وفعّل الطائرات المسيّرة، وأشار المراسل العسكري في موقع “والا” الإسرائيلي أمير بوخبوط إلى أنه “منذ بداية المعركة، يحاول حزب الله البحث عن أسلوب العمل الأكثر فعالية ضدّ “إسرائيل”، وبسرعة كبيرة جدًا عثر عليه: تفعيل طائرات مسيّرة مسلحة بمواد ناسفة”. وبحسب الكاتب، فإن “استخدام هذه الطائرات تم بطريقة منهجية، في البداية اختبر أساليب الرد الإسرائيلية، ومدى دقة المنظومات في التشخيص والاعتراض، وبعد ذلك، حاول فهم أوقات رد سلاح الجو أثناء الإطلاق وتفعيل الطائرات المسيّرة نحو مديات مختلفة، وبدأ في مرحلة متقدمة جدًا باستهداف تشكيلات الرصد والرقابة التابعة للجيش في المدى القريب والبعيد، وإصابة وحدة الرقابة في جبل ميرون هي جزء من معركة الحزب”.
كذلك أثار استخدام حزب الله صواريخ اس5 مخاوف إسرائيلية من تطور الأسلحة الهجومية، حيث ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها حزب الله طائرة مسيرة مسلحة بالصواريخ، بدلاً من المتفجرات التي كثيرًا ما استخدمها منذ أشهر.
وفي آخر العمليات في أيار الجاري كان نجاح إسقاط منطاد تجسّس إسرائيلي في الجليل الغربي باستهداف قاعدته ومركز التحكم به. ذلك المنطاد، الذي أقام له العدو دعاية كبيرة قبيل إطلاقه رسميًا في 19 آذار الماضي بعد فترة تجريبية، يصل طوله إلى 117 مترًا، وقد وصفه جيش الاحتلال بأنه أكبر منطاد مراقبة من نوعه في العالم، يحوي عشرات الكاميرات وأجهزة الرادار وأجهزة كمبيوتر صغيرة، ويُستخدم للرصد والتجسّس لمسافات بعيدة. المنطاد الذي أطلق عليه اسم “ندى السماء”Sky Dew ، ونُصب في سماء المنطقة الشمالية من فلسطين على الحدود مع لبنان، تمكّنت المقاومة من رصد تفاصيل عن قاعدة إطلاقه وتحديد مكان فريق تشغيله. ووضعت خطة لاستهداف كل من: قاعدة التحكم، ومركز الربط السلكي، وفريق التشغيل البشري، وبالفعل تم إسقاط المنطاد في عملية نوعية، ولكن هذا ليس كل ما في الأمر، بل الملفت تعمّد الحزب إسقاطه في الأراضي اللبنانية للسيطرة على حمولته، وبالفعل سقط المنطاد في قرية رميش الجنوبية، وقد علّقت وسائل إعلام إسرائيلية، على قيام “حزب الله” بإسقاط منطاد إسرائيليّ فوق مستوطنة أدميت، وقالت إنّ “الاعتقاد في إسرائيل بأنّ المنطاد الذي أسقطه “حزب الله” هو للتصوير فقط ليس صحيحاً، فهو قدرة استخباراتية تضرّرت”.
يهاجم حزب الله بقوة، ويحقق الكثير من الإنجازات، ويكشف عن قدرات تقنية عالية المستوى، تقنياتٌ تتكشّف حسب مجريات الميدان، وخبرة الحزب في الكشف عن المفاجآت في الوقت المناسب من المعركة التي لم تكشف كل أوراقها وأسرارها التي تملك المقاومة الكثير منها.
المصدر : مناشير