فيما يُلزِم الواجب الأخلاقي والإنساني والقانوني كل دولة بمتابعة أوضاع مواطنيها وحاجاتهم، حتى ولو كانوا خارج المجموعة الشمسية. وبينما يُطالب لبنان منذ أكثر من عامَيْن بإيجاد حلّ لأزمة النازحين السوريين لديه، والتي تشكّل أعباء إضافية له، تتجمّع أعداد من السوريين منذ أيام على الحدود، مطالبين بالعودة الى بلادهم.
المعلومات كثيرة ومتشعّبة حول حقيقة أوضاعهم، ولكن المشترك في ما بينها هو أنّهم يقبعون تحت حرّ الشمس نهاراً، وتحت ظلال برد اللّيل مساءً، دون معطيات واضحة حول حقيقة أوضاعهم الصحية التي لا تخضع لمُتابَعَة أيضاً، وهو ما يُنذِر بخطر كبير، سواء سُمِحَ لهم بالعودة الى الأراضي السورية في ما بَعْد، أو لم يُسمَح لهم بذلك.
قد يختلف البعض حول تحديد حقيقة أوضاعهم، في ما يتعلّق بما إذا كانوا نازحين أو لا. ولكن لا بدّ من تحديد ذلك، ومعرفة ما إذا كانوا أيضاً من أولئك الذين هم في لبنان منذ ما قبل الحرب السورية، وقرّروا العودة الى بلادهم، بسبب سوء الأحوال الإقتصادية والمالية في لبنان، حالياً.
فلا يُمكن إلقاء اللّوم والمسؤولية على المنظّمات الدولية فقط، والقول إنها دعمت النازحين لإبقائهم في لبنان، فيما الكلّ يغيب الآن عندما وصلت الأزمة الوبائية الى ذروتها. فالمجتمع الدولي قدّم دعمه، من باب تمكين لبنان، كمجتمع مستضيف، على تحمُّل أعباء الأزمة السورية. ولكن السوريين الموجودين فيه (لبنان) منذ ما قبل الحرب السورية، والذين قرّروا العودة الى بلادهم في الوقت الراهن، لا يخضعون للشروط نفسها، وهو ما لا بدّ من تداركه سريعاً، على مستوى السلطات اللبنانية والسورية معاً.
ملفتٌ وغريبٌ في وقت واحد، البيان الذي صدر عن السفارة السورية في بيروت، والذي وضعت فيه مجموعة من التعليمات للعودة، مع تقسيم للشرائح التي تمّ اعتمادها لذلك.وإذا كان واجباً معرفة معلومات عن تاريخ مغادرة سوريا، وسبب التواجُد في لبنان، والمحافظة التي يُرغَب بالعودة إليها، بهدف مراقبة الحَجْر الصحي المطلوب هناك وضروراته، إلا أن المهمّ هو أن لا نقع مجدّداً في قصّة “بريق زيت” إستنسابية تعاطي السلطات السورية مع من هم داعمين للنظام السوري من جهة، أو أولئك الذين هم ضدّه، من جهة أخرى.
فضلاً عن أنه لا بدّ من التحذير من أن تُصبح المعلومات المتعلّقة بتاريخ مغادرة سوريا، وسبب التواجُد في لبنان، حجّة للقيام بملاحقات قضائية أو ربما أمنية بعد العودة، وهو ما سيمنع عودة كثيرين آخرين في تلك الحالة، في وقت لاحق.
بالإضافة الى أمور غير منطقية وردت في بيان السفارة السورية، وتتعلّق بإرسال جدول المعلومات المعبّأة إليها (السفارة) عبر البريد الإلكتروني، أو عبر الرابط الموجود على صفحتها على “فايسبوك“، أو عبر رقم هاتف حدّدته، فيما المعلوم هو أن من يجهد لتأمين بعض الماء والطعام منذ أيام، قد لا يكون باستطاعته استخدام وسائل التواصل الإجتماعي، أو الهاتف. كما أن بعضاً من العالقين، قد لا يكون يمتلك أصلاً لا بريداً إلكترونياً، ولا حتى حساباً على “فايسبوك”، بموازاة عدم تمكُّنه من تأمين أي تواصُل هاتفي.
شدّد مصدر قانوني على أنه “لا بدّ من التركيز على مسألة أن هؤلاء يريدون الخروج من لبنان والعودة الى سوريا بإرادتهم، وليسوا مُبعَدين من قِبَل السلطات اللبنانية”.وأشار في حديث الى وكالة “أخبار اليوم” الى أن “طالما أنهم سوريّون، وطالما أن العودة الى ديارهم هو بقرار منهم، وبما أنه يُفتَرَض على الحكومة السورية أن تكون هي المبادِرَة لاحتضان مواطنيها من حيث المبدأ، فإنه يتوجّب على السلطات السورية أن تأخذ الإجراءات اللّازمة سواء لجهة تأمين الطاقم الطبي للكشف عليهم على الحدود، أو لجهة تأمين الحصانة والرعاية التامّة لهم”.
وقال:”لقد باتوا منذ هذه المرحلة من ضمن مسؤولية السلطات السورية. فهُم مواطنون سوريّون في النهاية، ولهم حق العودة الى وطنهم، وذلك مهما تعدّدت الإجراءات أو الطلبات التي تفرضها بلادهم، قبل تحقيق هذه العودة”.ولفت المصدر الى أنه “لا يمكن ملاحقة السلطات السورية بالمعنى القانوني، لإجبارها على إعادتهم. ولكن من الحدّ الأدنى أن تكون أي حكومة في العالم مسؤولة عن مواطنيها. فالدولة ليست ملكاً لأي حكومة أو لأي سلطة سياسية أو لأي نظام معيّن، في هذا الزمن أو ذاك، بل هي ملك كامل للمواطنين”.
وختم: “لا يُمكن منع أي شخص من العودة الى أرض وطنه، ولا اعتماد مبدأ الإختيار في ما بينهم لإعادتهم. وهذا أمر مؤكَّد ومكفول في المواثيق الدولية. فلا يجوز إبعاد شخص عن وطنه، لا سيما إذا لم يوجد أي إجراء جزائي أو عقابي بحقّه.
المصدر:”أخبار اليوم”