هل تلتقط الحكومة رسالة الشارع… أم ترمي بنفسها في النار؟

كان تحرّك الثوار على الارض اليوم متوقّعا ومنتظرا، خاصة وان الدعوات الى المشاركة في المسيرات السيّارة الثلثاء والاربعاء، تكثفت في الساعات الماضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. الا ان ما لم يكن متوقّعا، هو حجمُ المشاركة الشعبية في النشاط، وشمولُه المناطق اللبنانية قاطبة من عاصمة الشمال طرابلس مرورا بصربا ومزرعة يشوع وساحل المتن، وصولا الى صيدا وصور والنبطية فبعلبك، مرورا بساحة الشهداء وشوارع بيروت.

هذه الصورة التي أحيت بقوة مشهدية 17 تشرين من ناحية الشكل فاستعادت اغاني الثورة والعلم اللبناني، ومن ناحية المضمون، حيث جددت المطالبة برحيل السلطة الفاسدة وباستعادة الاموال المنهوبة وبمحاسبة من أفلسوا الدولة، لم تنزل بطبيعة الحال، بردا وسلاما على أهل الحكم، بل حلّت عليهم “مصيبة” اضافية لم تكن لا عالبال ولا عالخاطر، بعد ان ظنوا ان كورونا واقتلاعَ الخيم من الساحات، اقتلعا الثورةَ من النفوس، وفق ما تشير مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”… فكيف الحال اذا قلنا ان ما جرى اليوم ليس الا “بروفا” عما ستعرفه “الارض” في المرحلة المقبلة؟

ففترة السماح التي طلبتها حكومة “مواجهة التحديات”، أخذتها “وحبّة مسك” الا انها لم “تضرب ضربة واحدة” في المكان الصحيح، لتُظهر للناس انها أهل للثقة وانها فعلا ذاهبة نحو انقاذ البلاد من مأساتها الاقتصادية – المالية. حتى ان مجلس وزراء “اللون الواحد” لم يتمكن من الحفاظ على الوضع المزري كما تسلّمه!

بل وخلال الاشهر الثلاثة المنصرمة، ازداد اللبنانيون فقرا، وقدرتهم الشرائية تراجعت أشواطا، مع تسجيل الدولار اسعار صرف قياسية بحيث تحاوز الـ3250 ليرة. حتى ان الاجراءات التي كانت مفروضة على اموال الناس في المصارف ازدادت حدّتها وقد حُرموا نهائيا من سحب العملة الخضراء حتى في مراكز التحويل الالكتروني. أما المؤسسات القليلة التي كانت لا تزال تعمل، فأقفل السواد الاعظم منها ابوابَه فيما يلفظ القسم الآخر أنفاسه، ما يتهدد بموجة بطالة وعوز عارمة ستصيب اللبنانيين الذين بات أكثر من نصفهم يعيش تحت خط الفقر.

قد “ترميها” الحكومة على “كورونا“، تضيف المصادر، الا ان ذلك لا يخفي حقيقة انها لم تقم بواجبها ولم تف بالوعود التي قطعتها للبنانيين بالاصلاح والانقاذ، بل غرقت في اللجان واللجان المتفرعة وفي صراعات واضحة بين مكوّناتها حول كيفية الخروج من المأزق، حالت حتى الساعة دون نجاحها في وضع تصوّر واحد موحد واضح المعالم لكيفية انتشال لبنان من الحفرة التي يتخبط فيها. هذا ناهيك عن وقوعها أسيرة المحاصصة وتقاسم الجبنة في التعيينات المالية مثلا، وعجزها عن اثبات استقلاليتها وحيادها، وما يجري في ملف التشكيلات القضائية دليل فاقع…

تسرد المصادر هذه المعطيات كلّها لتقول ان خروج الناس الى الشارع اليوم، بهذا الثقل، يجب ان يشكل جرس انذار واشارة تحذيرية يلتقطها جيدا الرئيس حسان دياب ويفهم أبعادها. فنموذج التظاهرات السيّارة الـ”ناعم” و”الجميل” يخفي غضبا عارما يعتمل في صدور اللبنانيين بعد ان فرغت جيوبهم وبطونهم. واذا لم تتخذ حكومته اليوم قبل الغد، قرارات تدل على نية حقيقية بمحاسبة الفاسدين ومعالجة مكامن الهدر وابرزها في الكهرباء والاتصالات، واذا واصلت سياسة رمي المسؤولية عنها وإلقائها على اسلافها، فإنها – اي الحكومة – ستكون تكتب بنفسها، ورقة نعيها…

المصدر:”المركزية”