الثورة تتحَمّم. تضع راهناً منشفة لمسح تجربتها السابقة. قريباً ستخرج من منزل الحَجر. لن تشتري الأربعمئة ألف ليرة التي تدفعها الحكومة للفقراء أكثر من شهر أو شهرين على أبعد تعديل. حكومة تشتري ثورة كل عائلة بما يعادل مئة دولار تقريباً. لا تُلام حكومة دياب. التركة ثقيلة والمعالجات خفيفة. معاشات شهرية لرغيف ملتوت بالذل ومخبوز بطحين السكوت.
أيار أو حزيران موعد إنفجار خزّان الوقود. خزّان طقّت إبرة حرارته في كل بيت. التوقيت قابل للتوقع دون نوستراداموس. من فايسبوكهم تعرفونهم. المقدمات نفسها والتحضيرات والشعارات نفسها إنما مع منسوب إنفعالي أكبر. كورونا كان معسكر تدريب للثورة. لم يكن مدفناً أو متحفاً. كورونا معسكر تدريب سيخرّج غاضبين جُدُداً في الشوارع والأزقة.
المعزوفة نفسها. تكاد تنافس أغنية سنة حلوة يا جميل بالتكرار . أحزاب تخطب ودّ الثورة وتسرق بِظِرف أحلامها. خلال الأشهر الماضية لم تكلّف نفسها الإطمئنان عن صحتها. أحزاب تخاف على مكتسباتها من فقراء الوطن. بكت عليها مثل النسوة النائحات في الجنائز اللواتي يبكينَ فيها بأَجر. ها هي تتحضَّر لاسترداد الميراث بالمخالب. أحزاب بدأت معركة إسقاط حسان دياب وحكومته. حريٌّ بالثورة العائدة أن تتأبط حسان دياب معها وتجوب الشوارع. ألف حسان دياب ولا الأحزاب.
ليس كل الأحزاب في كفة واحدة. منها من سرق ونهب البلاد والعباد ويبحث اليوم عن دعوى تطويب. منها من ورث الموبقات ولم يقوَ على ضربها ومنها من لعب على كل الحبال أشطر من لاعب سيرك روسي. منها أخيراً من يستحق أن يضع كمّامة ويجوب الشوارع مع الثوار. على الثورة أن تصنّف قبل أن تنزل إلى الشارع. التصنيف حتى لا تضيع الثورة.
أغلب الأحزاب سرقت المصارف. سرقتها بِظِرف. كانت الدولة وكانت المصارف خادمة قسرية في معبد أكاذيب أمراء الطوائف. ماذا لو كان القطاع المصرفي مع الثائرين؟ مئة ألف فم إضافي سيكون في دعم الثوار في كل الشوارع. إسقاط نظام الأحزاب وليس النظام يجب أن يكون الهدف. من دون ذلك سينجح ملوك وأباطرة الطوائف في ضرب الثوار بالقطاع المصرفي آخر ما يذكّرنا أن لبنان ذو اقتصاد حرّ. ذو مبادرة فردية خلاقة.
حوار جدي وصريح يحب أن يجمع عناصر الثورة المتجددة. أن تفهم الثورة أن أهم ما تعوّل عليه الطغمة هو الإيقاع بين المودِع والمصرف. هكذا يتسنّى لها أن تستعيد صدقيتها المستحيلة. اللعب على وتر قدسية الودائع. مفارقة مضحكة مبكية. السارق والناهب والواهب والهادر يستجلب إستحسان الثورة من باب عَوَزِها. من دون حوار سريع بين القطاع المصرفي والثوار قد تنجح الحيلة. بعدها لن يكون لنا جميعاً حيلة.
العودة إلى بيوت الدعارة الوطنية وإغلاقها. هنا تفلح الثورة. من هنا تستمد تعاطف المجتمع الدولي. المجتمع المدني والمصارف والنَّاس المقهورين هي الثلاثية الذهبية التي يمكن أن تنقذ لبنان بعد كورونا. الجيش اللبناني سيكون حامي الثورة. ثورة نظيفة مشروعة سلمية حضارية متعلّمة واعية ومستشرفة للتنين المتربص بمستقبل لبنان.
بعدها انتخابات نيابية مبكرة. محاكمات عادلة. صياغة إقتصاد متجدّد مناسب لتحديات ما بعد الجائحة. سيكون علينا أن ننتظر سنتين أو ثلاث. أفضل من أن ننتظر عشرين سنة مدججة بحرب عبثية جديدة نعيد فيها إلى السلطة ورثة الطغمة ليكرروا الخطايا نفسها. إنه وقت التعلّم والتحرّك. أن نعرف من دون حركة مهنة الشعراء. أن نتحرك من دون علم مهنة الأغبياء. الإثنين معاً مهنة الثوار.
المصدر:”ليبانون ديبايت”