كان الاعتقاد السائد أنّ حزب الله “لن يبلع” غارة جديدة يابوس لو أنّه إكتفى بالمشاهدة وعدم تسطير محضر تعليق كان قاب قوسين أو أدنى من الصدور.
طبعًا، حزب الله لم يبلغ قراره إلى أحدٍ، وأصلًا من يعرف الحزب عن قرب يدرك جيدًا أنّه في العادة يُبقي إجراءاته طيّ الكتمان. لكن أجواء الفئة السياسية المتابعة لحضوره وعلى إطلاع على عقله كانت تنذر بتصعيدٍ “مضبوط السقف وضمن حدود المعركة بين الحروب” بعد غارة جديدة يابوس ربطًا بوعدٍ قطعه الأمين العام السيد حسن نصرالله بُعَيْد غارتَيْ عقربا الصارخة ومعوض الصامتة وقبل الرد في أفيفيم الصيف الماضي.
ثم كان تعويل الأكثرية “الصامتة” المراقبة لأدبيات الحزب عن كثب أن هذا الأخير سيلعب اللعبة التي يظن الاسرائيلي أنه يفلح بها في مواجهته على إعتبار أنّ رهانه يأتي في أنّ المقاومة ستمتصّ أي تدبير عسكري ناري لا يقع فيه إصابات وتكتفي بقراءة الرسائل وتحليلها، لكنه تفاجأ حين أعادت الإعتبار لحدود اللعب ومضت إلى أسلوبٍ مختلفٍ.
لم يكن الاسرائيلي في واردِ الاعتقاد أنّ ردَّ المقاومة سيأتي على طراز “العملية الصامتة” أي تنفيذ ضربةٍ تقتصر على توزيع الرسائل، فكان فتح ثلاث فجواتٍ في السياج التقني وفي نقاطٍ عسكرية متنافرة متباعدة (أفيفيم، يفتاح، المطلة) صادمًا إلى درجة أنّ وسائل إعلامه ما برحت نقطة التقصي والتحليل على المحاور كافة منذ ليل الجمعة – السبت وعلى مدى الأيام الثلاثة اللاحقة.
من الواضح، أنّ النشوة الاعلامية الاسرائيلية التي ارتفع “عيارها” بعد إستهدافِ “الشيروكي” قرب المصنع اضمحلّت مع دخول “واقعةِ القص” إلى المسرح. بدا واضحًا أنّ الوسط الاسرائيلي وقعَ في حرجٍ شديدٍ إثر معاينته خطورة الموقفِ الأمني- العسكري الذي ترتب عن خطوة حزب الله “غير المعلنة” خاصة وأنها منطقة ذات حزام أمني شديدة الحساسية تتناوب على حفظ أمنها كتائب عدة تابعة للجيش الاسرائيلي من بينها الفرقة 91 والتي شكلت العملية ضربة إلى مفهومها في الردع الذي ترسيه كواحدةٍ من وظائفها.
في المقام الأول، أظهرت واقعة “الهيركات الشائك“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمحالاستهداف، وأن الفترة بين حدوثه واكتشافه تبلغ أكثر من 4 ساعاتٍ على الأرجح!
ثانيًا، مثلت العملية، باعترافٍ إسرائيليٍّ، فجوة في خطوطِ الدفاع التي تتدرَّب على تنفيذها القطعات العسكرية الاسرائيلية المولجة حفظ أمن الشمال منذ “سكوت البنادق” عام 2006، لا بل أنّ الشعور الاقوى الذي نمى بُعَيْد العملية، أظهرَ وبشكلٍ واضحٍ أنّ تدابير حماية الجبهة الداخلية مصابة بعقمٍ، وأنّ مئات ملايين الدولارات التي صُرِفَت على “مظلة الحماية” فائقة التطوّر على طول شريطِ الحدودِ مع لبنان أثبتت ضعفها بالنظر إلى “طرقٍ بدائيةٍ” اعتمدها مقاتلو المقاومة في “ثقب السياج”.
ثالثًا، الضربة الاشدّ أتت على “مثلثِ الردع الاسرائيلي” المبني على طول الحدود والذي خيضَ في مجال تعزيزه أكثر من مناورةٍ عسكرية. فتلاعب رجال المقاومة بالمسائل الامنية على الحدود اثبت مدى سهولة توغلهم إلى الجليل من دون اللجوء إلى “سلاح الخنادق” الذي راكمَ الجيش الإسرائيلي فرضيات توغل الحزب على أساسهِ.
أمرٌ آخر شديدُ الخطورة، أنّ “واقعة القص” انطوت على معلوماتٍ استخباراتية شديدة الوضوح امتلكتها المقاومة، وهذا ينقلنا إلى أمر آخر يتصل بدقة الحضور الاستخباراتي لديها على طول الحدود ما يُمكنها من الاختيار بين مجموعةِ نقاطِ ضعفٍ على الأرجح أنها تفوق ما كشف عنه بعد العملية.
ثم أنّ الدوريات الإسرائيلية شبه اليومية على طول الشريط، تتصل على وجهٍ شديد الوضوح بمسألة معاينة ظروف الأمن على طول الخط، ومن بين المهام الروتينية الموكلة إليها الفحص الدوري للشريط. وللعلم، فإنّ المحلل العسكري في موقع “والا”، كشف عن واقعةٍ خطيرة حيث أنّ التقرير المتّصل بظروفِ السياج التقني أتت آخر نسخة منه سبقت العملية بوقتٍ قصير خالية من أيّ ملاحظة لحدوث خلل ما في الجدار، وهذه سقطة مدوية.
هذا ما ينقلنا إلى فرضيّةٍ أخرى يتخوَّف منها الجانب الاسرائيلي على وجهٍ خاص، ذلك أنّ ظهور “عيب” في إجراءاتِ المراقبة، يمكّن عناصر حزب الله من التوغل إلى عمق المنطقة الامنية متى ارادوا ذلك وتنفيذ مهامٍ ذات طابعٍ أمني ثم المغادرة بطريقة الدخول نفسها متجاوزين أجهزة المسح، ما يطرح سؤال عميق لدى الجانب الإسرائيلي: هل أنّ الفجوات موجودة وإستخدمت سابقًا وجرى تمويهها ضمن إجراءٍ إحترازيٍّ من جانب الحزب؟ هذا يستتبعه بآخر أكثر دقة: هل أنّ عناصر الحزب يدخلون ويخرجون عادة من ثُغرٍ يتولون إخفاء معالمها حين الإنتهاء منها؟!
المصدر:”ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح