هي المشاريع السلطويّة التي تأتي على ظهر الجوع والإحتجاج وخطر الإنزلاق عن حافة هاوية الإستقرار الأمني نحو التفلّت والفوضى. مشاريعٌ لا تحتاج إلى تهيئة الظروف الإقتصادية الصعبة وانتظار التوقيت المناسب فقط لا غير، بل أيضًا بحاجةٍ لبعض الحظ الجيّد كي تفرض أمرها الواقع بقوّة الجمهور، وربّما إستسلامه لسوء حاله ليس إلّا. هكذا نجح مشروع الـ92 عندما أسقط رفيق الحريري، ومن خلفه النظام الأمني، وبرعايةٍ سعودية، حكومة عمر كرامي، بعد التلاعب بسعر صرفِ العملة وإلزام الناس على الخروج إلى الشوارع نتيجة إحتقان ولّده الخطر الإقتصادي الداهم.
اليوم، حديثٌ كبيرٌ خرج إلى العلن عن أنّ سيناريو الـ92 هناك من يحاول إعادة تطبيقه في الـ2020. معطيات عديدة تتقاطع حول سعي فريق معيّن إلى إستثمار الأزمة الإقتصادية التي ساهم هو بإيصال لبنان إليها، من أجل تجييش الشارع والدفع قدمًا نحو إسقاط الحكومة بهدفٍ وحيدٍ ليس انتشال البلاد من أزمتها وإعادة سعر صرف الدولار مقابل الليرة إلى سابق عهده، ولا هو تأمين 900 ألف وظيفة تأمّل بها اللبنانيون منذ عامَيْن. الهدف يتلخّص بأربعِ كلماتٍ لا أكثر “إعادة سعد الحريري لرئاسة الحكومة.” ولكن، هل هذا ممكن؟
يكشف مصدرٌ من فريق الثامن من آذار أن خطة محكمة وبرؤوسٍ ثلاثة وُضِعََت لإسقاط حكومة حسان دياب. يقول أنّ المخطّطين يسعون لمواءمة تحرّكهم مع توقيتٍ مناسب لا يُفشل التحرّك التراكمي الذي يهدف في نهاية المطاف لدفع الشارع والأفرقاء إلى المطالبة بالحريري. سياسيًّا بدأ التصعيد بالهجوم على الحكومة. فبعد سلسلة مواقف أثنت على إجراءاتها فيما خصّ مواجهة “كورونا“، إنتقل البعض إلى الهجوم على رئيسها ووجوهها من منطلقاتٍ شخصيّة وبتصويبٍ يتخطى معايير الإحترام والتعاطي السياسي.
وليد جنبلاط، أحد رؤوسِ حربةِ فريق الرابع عشر من آذار سابقًا، يبدو أنّه عادَ للعب دوره هذا بعد أعوامٍ عدّة. تصريحه الذي وصف من خلاله حسان دياب بالموظف لدى أحد ضباط الإستخبارات يعني أنه الشرارة الأولى لحربٍ أطلقها هذا الفريق على دياب، بالتزامن مع عودة الحريري لقيادة الدفّة، من دون اتضاح ما اذا كان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع سينضم الى حليفَيْه السابقَيْن أم لا.
بالتوازي، يضيف المصدر، يسعى اللوبي الضاغط للإطباق معيشيًا واقتصاديًا من خلال عدم السماح بخفضِ سعر صرف الدولار الذي تخطّى عتبة الـ3000 ليرة. هنا يؤكّد أن رياض سلامة، حاكم المصرف المركزي، شريك الآذاريين بمسعى إعادة تنصيب الحريري. الإجراءات التي أعلن عنها مصرف لبنان لمحاولة خفضِ سعر الصرفِ هي دعاية علنية لن تترجم على الأرض، بل سيُسمح للصرّافين بالإمتناع عن إعطاءِ الدولار كما حصل قبل فترةٍ وجيزةٍ حينما تم تثبيته على الـ2000. أمّا على الأرض، فسيكون الشارع السياسي جاهزًا خلف شارع الحَراكِ للإطباق على الحكومة إطباق الجائعِ على الطعام بعد حين!!!
بعيدًا من نجاح تطبيق الخطّة بأجنحتها الثلاثة من عدمهِ، وبمقارنةٍ بسيطةٍ بين الـ92 واليوم، يظهر حجم الإختلاف بين الزمنَيْن والحقبَتَيْن السياسيَّتَيْن. حينذاك، أسندت المعارضة السياسيّة بدعمٍ خارجيٍّ يتمثّل بالسعودية ومن خلفها غطاء دولي كبير، وكذلك بغطاءٍ سوريٍّ عكس ذروة نجاح السين – السين في حينه. اليوم هذا الغطاء غير متوفّر، لا إقليميًا ولا دوليًا، نتيجة سوء العلاقة بين المملكة والحريري نفسه من جهة، وبين عدم إعلان الولايات المتحدة إستعدائها الحقيقي للحكومة التي لم تبلغ يومها المئة بعد.
حينذاك أيضًا، كان رجل الأعمال رفيق الحريري هو المشروع البديل، لم يفشل من ذي قبل ولم يختبره الناس ليخيّب آمالهم. اليوم، المشروع البديل هو سعد الحريري، من دون حاجةٍ لتفصيلٍ أكثر.
حينذاك أيضًا وأيضًا، كان عمر كرامي رئيسًا للحكومة، هو الذي خضع في تاريخهِ مرَّتَيْن للضغوط، ولم يواجه. اليوم حسان دياب، وبحسب عارفيه، ليس عمر كرامي.يفيد مصدر حكومي، أن دياب ومنذ تسميته يعي جيدًا حجم الضغوط التي سيتعرّض لها، إضافةً لما ستواجهه حكومته من سوءِ إدارة اقتصادية للبلد من قبل مخلّفات سلطة الثلاثين عامًا الفائتة. يؤكّد أنّ كل هذا لن يثني دياب عن متابعة عمله.
فإذًا، تفتقد خطة إسقاط الحكومة عبر استثمار الجوع والضغوط الشعبية لعواملٍ سبق وامتلكها رفيق الحريري عام 1992، فهل يملك الحريري الإبن اليوم، ومعه حلفاء معارضين، وربّما موالين، لعامل مفاجأة جديد قد ينقله من منزله في بيت الوسط، إلى مقرّ جاره حسان دياب، في السرايا الكبير؟!
المصدر:”صفاء درويش-ليبانون ديبايت”