اسامة القادري – مناشير
“الإجرام الاسرائيلي” تخطى النظريات والفلسفيات الاجرامية، ومارس الإبادة الجماعية أمام كل العالم ومنظماته الدولية والانسانية والشرائع والقوانين، بقرار فعل القتل العمد لكل فلسطيني ولد او لازال في احشاء امه. فلم تكن سياسة القتل والإبادة خياراً اسرائيلياً لو لم تعطها الولايات المتحدة ضوءاً أخضراً لتستعمل عنصريتها الجشعة النهمة بشرب الدماء، امتداداً لجرائم الحروب التي ارتكبتها امريكا في العراق وافغانستان.
فبعد أكثر من ستين يوماً على بدء حرب الإبادة المستمرة في غزة ودخولها الشهر الثالث باستعمال أعتى انواع الأسلحة الامريكية الفتاكة، اصبح جلياً أن من يقود هذه الحرب الدموية هي الولايات المتحدة الامريكية عبر وكيلها الأصلي في المنطقة، فأمنت له الدعم الغربي والسكوت العربي والاسلامي، ورفعت من ضراوة “القتل والتدمير” بهدف ضرب أي محاولة لإرساء التعددية القطبية والقبول بإسرائيل كشرطي قوي لها قادر على الجلب والتبليغ والجلد ان اقتضى الأمر، وما استحضار أمريكا لبوارجها وقواتها الى البحر الابيض المتوسط لمساندة إسرائيل ودعمها بقتل شعب أعزل لاقتلاعه من أرضه، الا لضرب اسس السلام العالمية ونسف المواثيق الدولية التي تقضي بحل الدولتين، واذ بارساء سياسة ما يسمى “الواقعية الكيسنجرية” بالرضوخ للأقوى والأكثر اجراماً وقتلاً،، وبعد سقوط أكثر من مئة الف صاروخ اسرائيلي صناعة امريكية على رؤوس المدنيين العزل في منطقة لا تتجاوز مساحتها 365 كلمتر مربع يقيم فيها ما يقارب ال 3 ملايين فلسطيني نزحوا اليها من قراهم الفلسطينية المحتلة، (تعتبر غزة المنطقة الاكثر كثافة سكانية في العالم) وخسارة أكثر من 8 الاف طفل و4 الاف إمرأة ليكون لذلك دلالة واضحة على عدم محاسبة مرتكبي جرائم الحرب خاصة امريكا على ما فعلته من جرائم في العراق وافغانستان واكذوبة اسلحة الدمار الشامل التي ادت الى تفتيت العراق اقتصاديا وعسكريا وتشتيته سياسياً وتقسيمه جغرافياً.
فبعد انهيار المعسكر الاشتراكي ومعه سقوط التعددية القطبية لصالح واشنطن أمسى تجاوز امريكا ومن تجيز له للنص القانوني سهلاً، الذي ينص أن قانون شرعة حقوق الانسان لا يميز بين مجرم وآخر، انما القطبية الآحادية والإدعاءات الامريكية بالديمقراطية وبحقوق الانسان، أثبتت في حربها الحالية على غزة أنها حبر على ورق أمام هول ما يواجهه اطفال عزل ونساء احترن اين يهربن بأطفالهن من الموت الذي يلاحقهن بثقل الأسلحة الأكثر دموية وزهقاً للأرواح وخلق مجمعات اكثر فقراً وتشرداً وعوزاً.
هذه الحرب ذكرتنا بأكاذيب الاسرائيليين بالأكاذيب الأمريكية التي اعتمدتها ابان حربها على العراق منذ قبل ثلاثة وثلاثين عاماً، وامعانها يومذاك بقتل الأبرياء وادعاءاتها ان الجيش العراقي يتخذ المدنيين رهائن لتعطي لنفسها مبرراً بقصف الملاجئ والمدارس واماكن ايواء المدنيين الهاربين من القتل.
ذكرتنا أكاذيب الاسرائيليون بالأكاذيب الأمريكية التي اعتمدتها ابان حربها على العراق منذ قبل ثلاثة وثلاثين عاماً، وامعانها يومذاك بقتل الأبرياء وادعاءاتها ان الجيش العراقي يتخذ المدنيين رهائن لتعطي لنفسها مبرراً بقصف الملاجئ والمدارس واماكن ايواء المدنيين الهاربين من القتل.
مرت تلك الجرائم الموثقة أحداها جريمة قصف ملجأ العامرية وسط العاصمة العراقية بغداد، كأنها لم تقع الا في ذكريات ذوي الضحايا، فلم يأت حكماً على ما أقدمت عليه طائرات “التحالف” أنذاك من قتل وقصف الملاجئ رغم التوثيق انتصرت الادارة الامريكية وسجلت المنظمات الدولية والحقوقية خسارة مدوية لها، فالحديث عن الإيغال في قتل المدنيين وحديث احد وزراء اسرائيل برمي قنبلة نووية على الفلسطينين ليس كلاما عابرا انما ناتج من فائض في القوة واستغلالاً كاملا لغطاء اممي أمنه الامريكي، هكذا اتى قصف المستشفيات واخراج اكثر من 20 مستشفى عن الخدمة في غزة، بل أن واقعة قصف طائرات الجيش الإسرائيلي لمُستشفى الأهلي العربي “المعمداني”، في حي الزيتون بمدينة غزة، بعد 10 ايام على بدء الحرب، وسقوط أكثر من 500 قتيل غالبيتهم من الاطفال والنساء كانت نقطة تحول في مسار الصراع الراهن، بعد حضور الرئيس الامريكي الى اسرائيل على وجه السرعة للوقوف الى جانب ” نتنياهو” والطلب من الاسرائيلين اعتماد رواية ان “حماس” من قصف المستشفى الى ان تظهر نتائج التحقيق من الجهة التي قصفته؟. بعدها اطلقت مرحلة تدمير باقي المستشفيات خرقاً للقوانين والقرارات الدولية وشرعة حقوق الانسان بذريعة “أمن اسرائيل وحقها بالدفاع عن نفسها”، فيما هي تضرب عرض الحائط كل القرارات الدولية التي من المفترض انها ملزمة لها بالانسحاب من الاراضي التي احتلتها.
القصف الاسرائيلي يرتكب مجزرة أمام مستشفى دار الشفاء
كلنا شاهدنا بالصوت والصورة الواضحة كيف تم تدمير المستفشيات ومن قتل الصحافيين، واجرام “الجيش الإسرائيلي” من خلال ما فعله في مستشفى “دار الشفاء”، متذرعاً بكذبة ان حماس اعتمدتها مقرا عسكرياً، ولم يثبت ذلك، كذلك كانت الكذبة التي تبعت استهداف مستشفيات الرنتيسي والاندونيسي وفق قاعدة، أن الضعيف فقط الملزم بتطبيق القرارات الدولية، انما القوي هو القادر على القتل ومخالفة القوانين والشرائع والاحتلال، بعدها بدت الصورة أكثر وضوحاً مع تكرار مشاهد القتل العبثي واقتلاع الناس من بيوتهم واماكن لجوءهم حتى طالت المجازر المدارس ومراكز ايواء النازحين، والطواقم الطبية والاعلاميين والمسعفين.
هذه الجرائم دفعت بالرأي العام الغربي والامريكي الى التظاهر رفضاً لقتل المدنيين مطالبين بوضع حد لتجاوزات اسرائيل في عمليات القتل، ما جعل حكومتي بلجيكا واسبانيا تغيير موقفهما من هذه الحرب، بعدما كانتا أعطتا اسرائيل حق الدفاع عن نفسها، ومع توسع دائرة الاعتراض الشعبي والحقوقيين لحرب الابادة، وثق محامون وصحافيون وناشطون حقوقيون العشرات من جرائم الحرب التي ارتكبت منذ السابع من اكتوبرعام 2023، وتقدموا بدعاوى امام المحكمة الجنائية الدولية بشأن ارتكاب جرائم حرب واستهداف الطواقم الطبية والمسعفين وقتل متعمد، كما رفعت منظمات ووكالات اعلامية دعاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية بشأن ارتكاب “جرائم حرب” بحق صحافيين في الحرب بين حركة حماس وإسرائيل.
كما أحصت لجنة حماية الصحافيين التي تتخذ لها مقراً في الولايات المتحدة، مقتل أكثر من 60 صحافياً على الأقل منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر بينهم 54 فلسطينيا وأربعة إسرائيليين واربعة لبنانيين. بعد ان قام فريق من الباحثين والمحققين الميدانيين من الاعلاميين والمحامين وحققوا ووثقوا جريمة قتل الصحافي اللبناني عصام عبدالله مراسل وكالة رويترز وجرح عدد من الاعلاميين من مختلف الوكالات.
كما وثق ناشطون فلسطينيون جنون الإجرام والعنف الدموي والعنصري الإسرائيلي حيث عمد الجيش الاسرائيلي على خطف المئات من المواطنين من اماكن ايوائهم ولجوئهم من العنف، ليمارس الإحتلال الإسرائيلي أبشع أنواع التعذيب بإسلوب همجي.
اكثر من 400 محامي من جميع دول العالم وثقوا الجرائم وأنهم بصدد رفع دعوى قضائية امام المحكمة الجنائية الدولية، وذلك بحسب المحامي الفرنسي وخبير القانون الدولي جيل دوفير الذي قال إن التعريف الدقيق للإبادة الجماعية تحقق تماماً في العدوان العسكري الذي تشنه إسرائيل على قطاع غزة
وأكد متابعون أن اكثر من 400 محامي من جميع دول العالم وثقوا الجرائم وأنهم بصدد رفع دعوى قضائية امام المحكمة الجنائية الدولية، وذلك بحسب المحامي الفرنسي وخبير القانون الدولي جيل دوفير الذي قال إن التعريف الدقيق للإبادة الجماعية تحقق تماماً في العدوان العسكري الذي تشنه إسرائيل على قطاع غزة، سواء تعلق الأمر بالحصار وانعدام الغذاء ومنع الوقود، أو كان متعلقا بالإبادة عن طريق القصف والتهجير. وتابع ان المبادرة تضم اكثر من 400 محام من جميع أنحاء العالم من أجل رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي تطالب بفتح تحقيق في الوقائع المنسوبة لجيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأوضح دوفير (وهو محام معتمد لدى الجنائية الدولية) أن هذه المبادرة تأتي من المجتمع المدني، و”بعد أن رأينا ما يحدث، فإننا نفهم أن الأمر لا يتعلق فقط بالعدوان العسكري، إنها ليست مجرد جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، بل هي إبادة جماعية. وقال ان التعريف الدقيق للإبادة الجماعية متحقق في الاتفاقية الدولية وفي السوابق القضائية والمرجعية كما في حالتي سربرنيتسا والروهينغا”.
كما أعلنت منظمة مراسلون بلا حدود غير الحكومية في مؤتمرات صحافية سابقة أنها رفعت دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية بشأن ارتكاب “جرائم حرب” بحق صحافيين خلال الحرب بين حركة حماس وإسرائيل، وقال حينها كريستوف دولوار سكرتير المنظمة إن “حجم وخطورة وتكرار الجرائم الدولية التي تستهدف الصحافيين خصوصا في غزة يستدعي تحقيقا ذا أولوية من جانب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية. واضاف اننا نطالب بذلك منذ 2018. وتثبت الأحداث المأساوية الجارية الحاجة الملحة لحصول تعبئة”.
فيما أن المحكمة الجنائية الدولية التي يمكن أن تلجأ إليها الدول أو مجلس الأمن الدولي أو المدعي العام نفسه، غير ملزمة بالنظر في هذه القضية.
كما أشارت لجنة حماية الصحافيين التي تحصي الضحايا في إسرائيل وقطاع غزة وعلى الحدود اللبنانية، في بيان أن الحصيلة الأكثر دموية بالنسبة للصحافيين الذين يغطون هذا النزاع منذ إنشاء لجنة حماية الصحافيين عام 1992، بحسب هذه الهيئة.
الغطاء الامريكي لمنع التعددية القطبية
وبالعودة الى الغطاء الامريكي في هذه الحرب الدموية التي لم يشهد مثيلها في تاريخ البشرية، أن هذا الغطاء ليس لحماية اسرائيل من حماس، فلا هذا التنظيم المحاصر قادر على ازالة اسرائيل من الوجود وتحرير فلسطين المحتلة من البحر الى النهر، ولا اسرائيل قادرة على ازالته كما تدعي، انما أتى حضور البوارج الامريكية للرد على اية محاولة في التعددية القطبية والتي أشّرت بوادرها الصين في ارساء مبادرة المصالحة الايرانية السعودية لقطع الطريق امام المشروع الامريكي “الشرق الاوسط الجديد” والفوضى الخلاقة.
هذا القتل المتوحش للقول لمن يراهن على التعددية القطبية أن من لم يلتزم بقرارات هذا القطب “الأمريكي الأوحد” يكون مصيره كما مصير غزة ومدن واهل غزة.