بعد الإفراج عن الفاخوري: هل نضجت صفقة هنيبعل القذافي؟

من المرجّح أن ينقل هنيبعل من بيروت إلى موسكو عند إتمام صفقة الافراج عنه 

يبدو أن لبنان دخل مرحلة إبرام الصفقات المرّة، خصوصاً على الملفات المصنّفة في خانة المحرمات، والتي رسمت دونها خطوط حمراء تهدد بإحراق من يدنو منها. فبعد ثلاثة أسابيع على تبرئة العميل الإسرائيلي عامر الفاخوري، وإطلاق سراحه ومغادرة لبنان على متن طائرة عسكرية أميركية، أقلّته من سفارة الولايات المتحدة في عوكر و”على عينك يا ممانعة”، تشير التوقعات إلى قرب الإفراج عن هنيبعل القذافي، نجل الزعيم الليبي السابق معمّر القذافي، المحتجز في لبنان منذ خمس سنوات.

ضغوط روسيّة
كلّ المعطيات تفيد بأن صفقة الافراج القذافي الابن اقتربت، وكشفت مصادر عليمة لـ”المدن”، أن “الخطوط الحمر التي وضعها الثنائي الشيعي بدأت تتلاشى، لأن هذا الفريق لم يعد قادراً على مواجهة الضغوط الهائلة التي تمارسها روسيا عليه، خصوصاً وأن توقيف هنيبعل المستمرّ منذ 12 كانون الأول 2015، لم يعد له مبرر قانوني، وأن الرجل بات معتقلاً سياسياً لا أكثر”. وتشير المصادر إلى أن “الطرف الروسي أخذ على عاتقه إنهاء هذا الملفّ سريعاً، طالما ألّا مسوغ قانونياً لبقاء الرجل أسير اعتقال بلا أفق، خصوصاً وأن الثمن السياسي الذي تبحث عنه الجهة القابضة على قرار التوقيف، ليس متاحاً، لا الآن ولا في المستقبل، طالما أن ليبيا الغارقة في حروبها الداخلية، لا تمتلك معلومات تقدمها للبنان عن مصير المرجع الديني الشيعي الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين”.

اعتقال سياسي
في مذكرة التوقيف الوجاهية، التي أصدرها المحقق العدلي في قضية اختفاء الامام الصدر ورفيقيه، القاضي زاهر حمادة، اتهم الأخير هنيبعل القذافي بالاشتراك مع كبار القادة السياسيين والأمنيين في نظام معمّر القذافي، بالتورط في عملية الخطف والإخفاء، علماً أن هنيبعل لم يكن عمره يتجاوز السنتين عند حصول عملية الخطف التي حدثت في ليبيا عام 1978، إلّا أن القاضي حمادة برّر استمرار توقيفه هنيبعل، بأن الأخير كان صاحب سلطة في عهد النظام الليبي السابق، وأنه كان على علاقة وثيقة بالخاطفين، ويمتلك معلومات عن مكان اعتقال الإمام، ويرفض الإفصاح عنها. وهذا ما عدّه متابعون بأن الحيثيات التي يستند إليها حمادة، ليست إلّا “الوجه القضائي لقرار الاعتقال السياسي”.

استدراج وخطف
وكان النائب السابق حسن يعقوب (نجل الشيخ المغيّب محمد يعقوب)، استعان بعدد من الأشخاص في سوريا لخطف هنيبعل، الذي لجأ إليها بعد سقوط نظام والده، حيث تولّت فتاة سورية تدعى “فاطمة” عملية استدراج هنيبعل من اللاذقية إلى دمشق، وهناك أقدم أربعة أشخاص سوريين على خطفه بقوة السلاح، ونقله إلى منطقة البقاع اللبناني، عبر ممرّ برّي غير شرعي، وسلموه إلى يعقوب الذي احتجزه في منزل في البقاع الشمالي، وأقدم مع ثلاثة من مرافقيه على ضربه وتعذيبه، ما أدى إلى كسر أنفه ورضوض في جسمه، قبل أن يتمكن فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي من مداهمة مكان احتجازه، ونقله إلى قصر العدل في بيروت، ومن ثمّ توقيف النائب السابق حسن يعقوب ومرافقيه الثلاثة لحوالى أربعة أشهر، بجرم خطف وحجز حرية القذافي الابن وتعذيبه جسدياً ونفسياً، وإيذائه ومحاولة قتله.

انتفاء الأسباب القانونية
المحقق العدلي زاهر حمادة رفض على مدى السنوات الخمس الماضية، كل الطلبات التي قدمت له للإفراج عن القذافي، وأوضح مصدر قضائي لـ”المدن” أن “كل الأسباب القانونية لتوقيف القذافي الابن انتفت، وأن استمرار التوقيف بات مرتبطاً بعوامل سياسية”، لافتاً إلى أن “الافراج عن هذا الرجل وابقائه في لبنان لا يمكن الركون إليه، لسببين، الأول أنه دخل بطريقة غير شرعية والقانون يفرض ترحيله، والثاني أن إبقاءه في لبنان محفوف بخطر يهدد حياته”. ورغم أن استمرار التوقيف يصنّف في خانة حجز الحرية، طالما أن أسبابه القانونية انتفت، لفت المصدر القضائي إلى “ضرورة تحديد الجهة التي ستتسلّمه بعد الافراج عنه”.

من بيروت إلى موسكو
وكشفت مصادر واسعة الاطلاع، أن موسكو “أوكلت إلى سفيرها في بيروت الكسندر زاسبيكين، مهمة التواصل مع المسؤولين اللبنانيين، وتنظيم تسوية تتعلق بملف هنيبعل”. وقالت المصادر إن “جهود زاسبيكين قطعت شوطاً مهماً، وساهمت في تليين مواقف الأحزاب المعنية بملف اعتقاله، إلّا أن حالة التعبئة التي يعتمدها لبنان جراء وباء كورونا حدّت من تحركات السفير الروسي”. وشددت على أن “لا علاقة لصفقة الإفراج عن هنيبعل بأي معلومات عن مصير الصدر، طالما أن الحكومة الليبية الحالية، لا تملك معلومات إضافية عن مصير الصدر، سوى تلك التي كانت بحوزة الحكومة السابقة، وقدمتها إلى الجانب اللبناني”. وقالت إن روسيا “واثقة بأنها ستنجح بتحرير هنيبعل، لما تملكه من نفوذ لدى حلفائها في لبنان، أي “حزب الله” ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، كونهما حليفان للنظام السوري الذي يطالب باسترداده، وطالما أن القذافي كان تحت حمايته خلال استدراجه وخطفه”. ورجحت المصادر أن ينقل هنيبعل من بيروت إلى موسكو عند إتمام صفقة الافراج عنه، لأسباب أمنية بالدرجة الأولى، ولاستخدامه ورقة في مفاوضة السلطات الليبية عليه ثانياً”.

رسالة جنيف
وكان وزير العدل الأسبق سليم جريصاتي، وجّه كتاباً الى رئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي بركان سعد، طلب فيه الاستماع إلى القاضي زاهر حمادة، وتبيان أسباب استمرار توقيف هنيبعل القذافي. وقال جريصاتي في كتاب “في ضوء المراسلات التي كانت وزارة العدل محورها وما زالت، لا سيما الرسالة الموجهة إلينا من نائب رئيس الفريق العامل المعني بالاعتقالات التعسفية والمقرر الخاص المعني بالتعذيب (في جنيف) المؤرخة في 18/5/2018، وفي ضوء الحملات الإعلامية التي تكثفت في الآونة الاخيرة محلياً ودولياً في هذا الخصوص، ومطالبة الدولة الليبية كما والدولة المضيفة سوريا باستعادة هنيبعل القذافي، كما في ضوء معاودة الاتصال بنا من اللجنة الدولية لحقوق الانسان في جنيف للوقوف على مآل توقيف هذا الشخص وظروفه”.

مخالفات وتجاوزات
أضاف جريصاتي في كتابه “من باب الحرص على الأداء القضائي وتحصينه محلياً ودولياً، منعاً لكل تشكيك أو اتهام، وفي الوقت ذاته، معرفة الحقيقة لجهة إخفاء إمام السلام ورفيقيه وتغييبهما قسرا وعنوة، أرغب إليكم الاطلاع على مسار هذا الملف بتفاصيله كافة، والتأكد من خلوه من أي مخالفات أو تجاوزات للنصوص المرعية وضمانات المتقاضين، والتي يعود لكم حق رصدها وتقديرها، كما المراحل التي وصل إليها، وتبيان الفوائد التي يجنيها لبنان من الابقاء على هنيبعل القذافي موقوفاً في سجونه لمعرفة حقيقة تغييب إمام السلام والاعتدال ورفيقيه والإفادة”.

المصدر:”المدن”