تمّ تزويجها مقابل مبلغ زهيد… قصةٌ مؤلمة لطفلة يمنية

تكشفت تفاصيل قصة مؤلمة لطفلة يمنية تم بيعها من قبل والدها مقابل مبلغ زهيد، فيما تعرضت لأبشع أنواع التعذيب من قبل بعض أقاربها، ومن رجل مسن تم تزويجها له قسرا، قبل أن تلجأ إلى منزل أحد الأشخاص وتروي ما تعرضت له من معاملة قاسية، لا تمت للإنسانية بصلة.
وتعرضت الطفلة للبيع كزوجة، في حالة تسلط الضوء على زواج القاصرات مقابل المال، وهو مشهد تكرر سابقا في اليمن، لكنه لم يصل إلى حد الظاهرة، وبقي في إطار الحالات الفردية النادرة.

وتمكن موقع “الحرة” من الوصول إلى محامية الطفلة، وناشطات يمنيات للحديث حول الانتهاكات التي تعرضت لها، والظلم الذي عاشته، والثغرات الموجودة في القانون اليمني.
علا غانم، هي طفلة صغيرة باعها والدها بمبلغ 200 ألف ريال يمني (نحو 390 دولار)، وتعرضت للعنف والاغتصاب الممنهج، وانتهاكات جسدية يصعب تخيلها.

وذكرت “مبادرة صوت نسوي يمني” تعليقا على حالة غانم “تستمر قضايا انتهاك حقوق الطفولة في اليمن، بما في ذلك الاغتصاب والاعتداءات الجنسية والاتجار بالأطفال والعنف والاضطهاد الممنهج”.
وقالت إن “قضية الطفلة، علا غانم، تبرز حجم الخطر الذي يواجهه الأطفال والنساء في هذا البلد”.
وقالت الموكلة بقضية الطفلة، المحامية، هدى الصراري، في حديثها لموقع “الحرة”، إن “التعنيف المتكرر الذي تعرضت له الطفلة علا من قبل والدها وزوجته أفقدها إحدى عينيها”.
وأضافت “انتقلت إلى عمها وزوجته، وقد مارسا أيضا بحقها التعنيف البدني والمعاملة القاسية والضرب والحرق في أنحاء متفرقة من الجسد، كما شاهدنا بالتقارير الطبية”.
وتابعت “عاملاها كالخادمة في منزلهما (…) ثم قاما ببيعها لأحد الأشخاص بمقابل مادي بلغ 200 ألف ريال يمني، وقاما بمقاسمة المبلغ مع والد علا، وحينما افتضح أمرهما قاموا بتزويج الطفلة البالغة 11 عاما لشائب (رجل مسن) في قرية عمها، مقابل دفعه مليون ريال يمني (نحو 1900 دولار)”.
وأكدت أنهم “عقدوا قرانها عليه بعد تزويرهم الأوراق الثبوتية وشهادة ميلادها، على أنها تبلغ من العمر 19 عاما، وظلت الفتاة عند الشائب الذي عقد عليها وهو متزوج، وقد عنفها وعاملها كالخادمة”.
ونقلت المحامية عن الطفلة قولها إنها “خافت أن يقوم بإرجاعها إلى عمها وزوجته”، ولاحقا “هربتها زوجة هذا الرجل حتى وصلت إلى الرجل الذي قام بإبلاغ السلطات وعمل محضر لدى أجهزة إنفاذ القانون باستلامها”.
وأشارت إلى أنه “من هنا انتشرت القضية بشكل كبير وتناولتها وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي حرك النيابة للقبض على والد الطفلة وزوجها، وجاري البحث عن العم وزوجته، كما حررت النيابة أمر قبض بالأمين الشرعي الذي زور وثائق رسمية وقام بتزويجها على رجل شائب”.
وحالة الطفلة علا غانم ليست الأولى في اليمن، وقد سبقها حالات مشابهة في البلد الذي يعاني من ويلات الفقر والحرب، وفقا للناشطة في مبادرة صوت نسوي يمني، ابتسام محمد.
وتقول ابتسام في حديثها لموقع “الحرة” إن “علا غانم (11 سنة)، طفلة يمنية من مديرية مزهر، ضحية ليست الأولى ولا الأخيرة لجرائم العنف والاغتصاب والاتجار بالأطفال”.
وأضافت أن “الطفلة علا عانت من عنف وتعذيب ممنهج من والدها وزوجة والدها (…) وتعرضت للطعن والضرب والحرق وتم كسر يدها وإعطاب عينها (…) وتم تزويجها من شخص متزوج ولديه أطفال يدعى م. ع. ا.، الذي قام هو أيضا بالاعتداء عليها واغتصابها بشكل ممنهج”.
ولفتت إلى أن “الطفلة قررت بعد سلسلة طويلة من التعذيب والتعنيف والاغتصاب الهرب بعد ما تم تهديدها بالقتل، لتستنجد بأحد الأشخاص الذي أسعفها (…) وقام بإيصال قضيتها للجهات المختصة”.
وأكدت أن “علا ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فقبلها كانت الطفلة، أنسام المجيدي، تم تزويجها وهي تبلغ 8 سنوات، الطفلة ليمون التي تم الاتجار بها وبيعها وهي تبلغ من العمر 4 سنوات، الطفلة إصباح التي تم تعنيفها وإجبارها على الانتحار وشرب السم عندما كانت تبلغ من العمر 16 عاما (…) والقائمة تطول”.
وانتشر تقرير طبي حصل موقع “الحرة” على نسخة عنه، يوضح الحالة الصحية والبدنية للطفلة اليمنية.
وفي هذا الشأن، قالت الناشطة الاجتماعية، بسمة ناصر، في حديثها لموقع “الحرة” إنه “بالنسبة للتقارير الطبية التى نشرت فهي حقيقية، وأيضا الفيديو الذي نشر يوضح الكثير حول ما تعرضت له الطفلة علا”. ويظهر الفيديو أماكن التعذيب المتفرقة على جسد الطفلة.
وتابعت ناصر “التقرير في الصفحة الثانية يوضح تعرضها للاغتصاب وأيضا للتعنيف الشديد”.
ويظهر التقرير الطبي اسم الطفلة بالكامل “علا عبده أحمد ثابت غانم”، وهي متحدرة من “قرية بني عقيل في مديرية مزهر” الواقعة في غرب اليمن.
وتشير ناصر إلى أنها “ليست القضية الأولى (…) للاتجار بالطفلات (….) وتزايد مثل هذه القضايا ما هو إلا دليل على أن اليمن بلد شديد الخطورة على الطفلات والنساء، وأيضا مؤشر خطير يوصلنا إلى أن هناك قضايا أبشع ولكنها تحت الغطاء ومتستر عليها ولا نعرف عنها شيئا”.
وأوضحت أنه “في ظل ما تشهده اليمن من صراعات وحروب، تظل الطفلات والنساء أكثر حلقة ضعيفة، ويتم ممارسة أبشع طرق العنف والتعذيب بحقهن، ولا ننسى قضية (…) سميحة الأسدي، التي ذبحت في قاعة محكمة”.
وتظهر قضية الطفلة علا أن هناك ثغرات قانونية وضعف في التشريعات الخاصة بحماية الطفلات والنساء، وفقا للمحامية، هدى الصراري.
وتقول الصراري “بالنسبة للإجراءات القانونية هي واضحة كونها جريمة مركبة، تعذيب وإيذاء بدني، وتزويج قاصر، ومخالفات قانونية أخرى”.
وأضافت “لكن للأسف القوانين اليمنية تقف في صف ولي أمر الفتاة، كونه لديه الرخصة حسب قانون الأحوال الشخصية بتزويجها على أن لا يتم الدخول بها إلا بعد استكمالها لسن الرشد”.
وأشارت إلى أن “التشريعات اليمنية أعطت حق ممارسة العنف لولي أمر الفتاة (…) بإيقاع العقوبة بها إذا وجدها في وضع مخل، وهذا النص التشريعي يعتبر ثغرة قانونية يتحجج بها الجناة، خاصة إذا كانوا أولياء أمر، بالتهرب من المساءلة ومن ثم الإفلات من العقاب”.
وتابعت “لا تخلو التشريعات اليمنية من الثغرات والنصوص المطاطة التي تمكن الجناة ضد النساء والفتيات، ومن الهروب من إيقاع العقاب بهم، وللأسف لا يوجد لدينا في اليمن تشريع يجرم العنف ضد النساء والفتيات، لذا كثرت بشكل كبير ومخيف جرائم العنف الأسري الموجهة ضد الفتيات والنساء أثناء النزاع المسلح نتيجة غياب آليات الحماية وضعف التشريعات”.
من جانبها، ترى الناشطة، ابتسام محمد، أن “جرائم العنف ضد الأطفال والاتجار بهم أصبحت شائعة جدا في اليمن، خصوصا في الأوقات الحالية، حيث أصبح من المستحيل الحد من استغلالهم”.
وتابعت أن “الدستور اليمني لا يجرم زواج القاصرات ولا العنف ضد الأطفال، وذلك أحد أهم الأسباب الرئيسية لانتشار هذه الحالات”.
وتقول المحامية إن “الطفلة الآن تحت حماية ورعاية صادق ياسين محمد الحيدري، في قرية بني عقيل، بمديرية مزهر، وقد تواصلت معه جهات كثيرة بخصوص كفالة الطفلة، لكنه فضل عدم تسليمها والبقاء لديه لرعايتها”.
ويقول الحيدري في حديثه لموقع “الحرة” إن “الطفلة وصلت لي هاربة من الموت، فقمت بحمايتها وتبنيها، وستكون معي طول حياتها، ولن أتخلى عنها مهما كان الثمن، ولو كلفني ذلك حياتي فداء لها”.
وتابع “لن أتراجع حتى آخذ بحقها ممن عذبوها، وستعش عندي ولن أسلمها لأحد، وسأربيها لوجه ربي، وأتكفل بعلاجها وتدريسها وعمل المستحيل لها”.
وتشير المحامية إلى أنه “لا توجد أطر أو آليات حماية تابعة للدولة خاصة في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين، كدار إيواء للمعنفات تقيم به الناجيات من العنف الأسري، على أن يتم إعادة تأهيلهن نفسيا ومجتمعيا، وانخراطهن بالمجتمع”.
بدورها تقول الناشطة، بسمة ناصر، “هنا يجب علينا البحث بشكل أعمق حول القضايا الخفية التي تتعرض لها النساء والطفلات كل يوم، ونحن نحاول رصد هذه القضايا (…) ومكافحة الجرائم البشعة”.
من جانبها تقول الناشطة، ابتسام محمد، إن “ما يحتاجه اليمن اليوم هو قانون صارم جذري يحترم حقوق الإنسان بشكل عام والطفل والمرأة بشكل خاص، ويكفل حقهم في التعليم والعيش بأمان وصحة، والدستور والقوانين اليمنية الحالية ليست إلا وسيلة لتبرير العنف والاضطهاد”.