أن توصف بـ”الفضيحة”، فهذا قليل. أما أن يُقال إن الحكومة مغشوشة ولا علم لها بما حصل ويحصل، فهو قمة في “إستهبال” الناس والضحك على عقولهم والإستخفاف بذكائهم. إنها العجلة أو الإستعجال في توزيع المساعدات على من هم في أمس الحاجة إليها، وهي بالكاد تكفي لشراء مونة أسبوع مع موجة الغلاء المستشري. هذه هي حجة الحكومة بدلًا من أن تقول بأن من إرتكب هذه الجريمة يستحق أن يُعلّق على عود المشنقة ليكون عبرة لمن إعتبر.
لولا الجيش، ولولا حرصه على المال العام أكثر بكثير ممن يعتبرون أنفسهم مسؤولين لكان لأموات اليوم يأكلون ويشربون على حساب دولتهم. نشكر الرب ألف مرّة أن هذه المؤسسة هي التي تسلمّت هذا الملف وإلاّ لكنا رأينا أن أعمام وأولاد بعض المسؤولين مدرجة أسماؤهم على جداول القبض، تمامًا كما كان يحصل يوم كان الأموات أنفسهم يصوّتون لهذا الزعيم وذاك المرشح من هذا الفريق أو من ذاك الطرف السياسي، وكان نواب الأمة ينجحون بأصوات الموتى، الذين سُلبت أصواتهم مرتين، الأولى عندما كانوا أحياء يرزقون، والثانية عندما أصبحوا تحت التراب.
فهل تستحق هذه الحكومة، بعد هذه الفضيحة المدوية، أن يمنحها الناس ثقتهم، وهم في الأساس حجبوها عنها، يوم سُرقت الثقة تحت جنح الظلام؟
هل تستحق أن تستمرّ في السلطة وفي نهب ما تبقّى في جيوب الناس من أموال نادرة بعدما كانت صعبة وخضراء؟
هل تستحق أن تؤتمن على المصير في زمن الـ”كورونا“، التي سترت الكثير من عوراتها، ولولا عدد قليل من الوزراء المدعومين من بعض الجهات لكانت هذه الحكومة أولى ضحايا هذا الوباء اللعين والخبيث؟
هل تستحق هذه الحكومة أن تسّلم أمانة ما بعد الـ”كورونا“، وأن يُؤتمن جانبها، لأن من يغش بالصغيرة يستطيع، وبكل بساطة، أن يغش بالكبيرة، وقد يكون وراء طرح الهيركات بعض ممن أصبح في دنيا الحق، لأن لا أحد من الوزراء يريد أن يتبنى ما سميت بـ”الخطة الإنقاذية”.
لا ياسادة، ما حصل ليست فضيحة، لأن الفضائح الكثيرة في بلد العجائب لم يقدّم الإعتراض عليها أو يؤخرّ في شيء، إذ بقيت الأمور على حالها، وبقي المال السائب سائبًا، وهو الذي علّم المسؤولين على الحرام.
إنها جريمة بكل ما لكلمة جريمة من معنى. لن نصدّق أن الحكومة وقعت في هذا الخطأ – الجريمة فقط بداعي الإستعجال في توزيع هذه المساعدات على الناس الفقراء، الذين ينتظرون بفارغ الصبر ليسدوا بما يتساقط من موائد بعض المسؤولين بعضًا من جوع.
بعد هذه الجريمة – الفضيحة، هل يحّق لنا أن ندّعي بأننا ننتمي إلى وطن على رأسه هكذا حكومة، وقد فرح الذين تسنت لهم العودة السليمة من الخارج، بفعل بعض الوساطات على ما يُقال، ببعض الإجراءات على الطائرات وفي المطار، وهم الذين دفعوا ثمن هذه العودة أضعافًا مضاعفة؟
بعد هذه الجريمة – الفضيحة من الأفضل أن تعتذر الحكومة من الأموات الواردة أسماؤهم على جداول القبض، لأن الإعتذار من الأحياء لن يفيدها بشيء، وهي بذلك أهانت الأموات والأحياء معًا.
المصدر:”لبنان24″