رغم اقتناص اليورو قدراً من نصيب الدولار كعملة احتياط دولية وفي التعاملات المالية عبر نظام “سويفت”، الا أنه لا يزال الدولار الأميركي مهيمناً كعملة عالمية رئيسة.
ومع تزايد الحديث أخيراً عن ابتعاد كثير من دول العالم عن استخدام الدولار الأميركي في معاملاتها الخارجية، يقارن كثيرون بين العملات التي يمكن أن تحل محل الدولار
ويأتي اليورو في المقدمة، وليست العملات المحلية لقوى صاعدة مثل اليوان الصيني أو الروبل الروسي أو الراند الجنوب أفريقي أو الريال البرازيلي. ذلك لأن اليورو ترسخ في المعاملات الدولية بقدر معقول على اعتبار حجم تجارة دول الاتحاد الأوروبي مع العالم وثقة كثير من الدول في العملة الأوروبية الموحدة ليس فقط كعملة احتياط لدى بنوكها المركزية، لكن أيضاً في إصدار سندات الدين السيادية (اليوروبوند).
مع ذلك، تظل مكانة اليورو عالمياً كعملة دولية أقل من نصف ما يتمتع به الدولار، بالتالي قد لا يكون من المرجح أن يزيح اليورو الدولار الأميركي عن عرش العملات الدولية في الأقل في المدى المنظور.
اليورو والدولار
كان الدولار الأميركي، في نهاية الربع الأخير من العام الماضي 2022، يمثل نسبة أكثر قليلاً من 58 في المئة من الاحتياطات بالنقد الأجنبي في البنوك المركزية حول العالم، وبما يصل إلى نحو 7 تريليونات دولار تقريباً. ومع أن الدولار يظل عملة الاحتياط الرئيسة عالمياً، إلا أن مكانته تراجعت في هذا الجانب إذا كان نصيبه من الاحتياطات العالمية مع بداية القرن الحالي يقارب ثلاثة أرباع تلك الاحتياطات.
ورأى الاقتصادي الأميركي باري أيشنغرين في كتابه الشهير عن الدولار بعنوان “ميزة باهظة”، أن صعود الدولار ليصبح عملة العالم ما بعد الحرب العالمية الثانية يحمل ميزات هائلة للولايات المتحدة، لكنه أيضاً يمثل عبئاً عليها.
وعلى رغم أنه يخلص في كتابه إلى أن مكانة الدولار ستظل متماسكة عالمياً، إلا أنه يحذر من احتمال ضعف هيمنة الدولار دولياً.
ويقول أيشنغرين “العالم الذي علينا الاستعداد له هو عالم توجد فيه عدة عملات دولية معاً. سوء الإدارة المالية والاقتصادية من جانب الولايات المتحدة هو ما يمكن أن تؤدي إلى هجر الدولار. وكما تذكرنا الأحداث الأخيرة، فإن سوء الإدارة ليس بالأمر الذي علينا تجاهله. قد نواجه انهياراً للدولار، لكننا سنجلب ذلك على أنفسنا”.
في نهاية العام قبل الماضي نشر مجلس العلاقات الخارجية بنيويورك ورقة عن الدولار كعملة عالمية استعرض فيها تاريخ صعود الدولار إلى مكانته الحالية في العالم وفوائد وتبعات ذلك على الولايات المتحدة. وفي الجزء الخاص بالتحديات، التي يمكن أن تجعله يفقد تلك المكانة، استعرضت الورقة البدائل الأربعة المطروحة، وهي اليورو واليوان الصيني وحقوق السحب الخاصة التي استحدثت لدى صندوق النقد الدولي والعملات المشفرة.
ومع استبعاد حقوق السحب والمشفرات يظل اليوان في مرحلة متأخرة كثيراً عن اليورو. أما بالنسبة إلى اليورو فهو ثاني عملة احتياطات لدى دول العالم بعد الدولار، ويمثل نحو 20 في المئة من احتياطات النقد الأجنبي.
ومن عوامل قوة اليورو، بحسب ورقة مجلس العلاقات الخارجية، أن “الاتحاد الأوروبي ككتلة اقتصادية يعد منافساً للولايات المتحدة وحجم صادراته ككل أكبر من صادرات أميركا ولديه بنك مركزي أوروبي قوي وأسواق مالية متطورة”. إلا أن “عدم وجود وزارة مالية أوروبية موحدة، أو خزانة أوروبية، وعدم وجود سوق سندات موحدة للاتحاد الأوروبي يجعل اليورو أقل جاذبية كعملة احتياط دولية”.
وضع الدولار
كانت نسبة الدولار من الاحتياطات النقدية لدى البنوك المركزية حول العالم لدى بداية طرح العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) عام 1999 عند أكثر من ثلثي الاحتياطات العالمية (بنسبة 71 في المئة).
وقبل عامين، أوضحت أرقام صندوق النقد الدولي في شأن الاحتياطات الدولية بالعملات الأجنبية انخفاض نصيب الدولار من الاحتياطات النقدية لدى البنوك المركزية حول العالم إلى نحو 60 في المئة لتصل الآن إلى نحو 58 في المئة، وذلك أدنى مستوى للورقة الخضراء ضمن الاحتياطات النقدية الأجنبية لدول العالم في ربع قرن، لكن يظل نصيب الدولار أكبر من أي عملات رئيسة أخرى كاليورو والاسترليني والين واليوان، وغيرها.
بالنسبة إلى أشكال الهيمنة الأخرى للعملة الأميركية، فيمثل حجم الدين المقيم بالدولار حول العالم نحو نصف الدين العالمي، كما أن نحو 40 في المئة من المعاملات عبر نظام “سويفت” للمعاملات المالية الدولية تتم بالدولار الأميركي.
أما اليورو فأصبح يحتل مرتبة ثاني عملة احتياطات عالمية بعد الدولار بنسبة نحو 20 في المئة من احتياطات تلك الدول من النقد الأجنبي.
ونصيب اليورو في تمويل التجارة الدولية عند نسبة 6 في المئة، بينما نصيب الدولار الأميركي من تمويل التجارة الدولية فيصل إلى نسبة 84.3 في المئة. وإن كان نصيب الدولار تراجع العام الماضي عن نسبة 86.8 في المئة فإن ما فقده الدولار ظهر كزيادة في حصة اليوان الصيني من تمويل التجارة الدولية.
يبقى أن اليورو لا يتمع ببنك مركزي وراءه مثل الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي.