ضجيج “الدرون” الإسرائيلية وصمت حزب الله المطبق

الصمت الثقيل الذي يميز ليلنا في هذا الربيع الكئيب. الهدوء المهيب المخيم على نهاراتنا ومساءاتنا، إلى حد أن نسمع قرقعة ملعقة على صحن من بناية مجاورة. السكون المقلق المصاحب لتواري الناس وانزوائهم المنزلي، ولا علامة على وجودهم سوى “لمبات” الغرف والصالونات، وبعض الإضاءات الفضية المتقطعة الطالعة من تلفزيوناتهم..

كل هذا الاختباء والهمود يجعل أي صوت واسع الصدى، واضحاً، قوياً.

في اليومين الماضيين، لم تهدأ سماء بيروت وضاحيتها الجنوبية. طنين ميكانيكي رتيب ومثابر. صوت واحد لا يتغير ولا ينقطع. صوت مثابر ومتواصل في حضوره، قوي في صداه. مثير للأعصاب في تدفقه المستمر على نغمة آلية حادة ونحيلة.

نعرف تماماً ماهية هذا الصوت الذي يتوتر ليلنا. نعرف أنه متأتٍ من طائرات مسيّرة. إنها “الدرون” الإسرائيلية. تحوم بلا كلل فوق رؤوسنا، مهيمنة على السماء المظلمة.

طائرات لا يوقفها شيء، لا يردعها سلاح. حرّة تجوب الأجواء كيفما ومتى شاءت. وهي هنا لا تغادرنا، مواظبة على عملها، وعلى إزعاجنا. هنا علناً بصوتها، وخفاءً بشبحيتها. غير مرئية ومسموعة حتى النخاع. وكأنها هنا فقط لتبث صوتها، مدركة فعاليتها “النفسية”، أثرها المعنوي المضخم في هذا الأيام حيث لا تلوث صوتي ينافس طنينها، منفردة وحدها في ذبذبة الهواء وتوتيره.

كان الجيش الهتلري قد تعمّد أن يضيف إلى طائرة ستوكا الأسطورية قطعة معدنية، تصدر الصوت الأكثر رعباً في لحظة انقضاضها.

الصوت سلاح إذاً..والطائرات الإسرائيلية بلا طيار تبدو وكأنها مزهوة بطنينها المرهق للأعصاب. كأنها تطير فوقنا لتقول لنا “نحن هنا”، كبيان عسكري – سياسي، لا يخلو من الاستفزاز والتحدي.

هي لا تتسلل خفية وسراً وتجسساً ومراقبة محمومة وحسب، بل إنها تأتي وتحوم على مدار الليالي بكل صخب ممكن، واثقة مطمئنة.. بل متجبّرة ووقحة، ساخرة من “عجزنا” وانكشافنا. عجز قديم ينفضح أكثر عندما يتلفظ حسان دياب بكلام مجاني من نوع “لن نسكت بعد اليوم على الخروقات” بما يذكرنا ببيانات النظام السوري عن “الرد في الوقت والمكان المناسب”..

طنين “الدرون” الإسرائيلية يستحضر إلى ذاكرتنا الحادثة الغامضة في آب المنصرم، حين سقطت طائرتان مسيرتان في الضاحية الجنوبية، وما تلاها من توعّد حسن نصرالله بالتصدي لكل محاولة شبيهة “متى استطاعت المقاومة”. كان توعداً ناقصاً، أو مشروطاً بالقدرة أو بتوفر الإمكانيات.. أو “القرار”.


وعلى هذا، طغيان الطائرات على ليلنا الأبكم يوحي بتهديدنا على الجبهتين، أي أن يفقد حزب الله أعصابه فندفع الثمن، أو أن يتطور الطنين إلى انفجارات هنا وهناك.. والبلد لا ينقصه مصائب إضافية، ناهيك عن اعتداء إسرائيلي في عز كورونا.

المفارقة، أن الصمت الوبائي الثقيل يخرقه الدرون الإسرائيلي.. فيقابله صمت حزب الله المطبق. وهو فعلاً صمت غير اعتيادي و”يقول” الكثير.

المصدر: “المدن”