هل سيتأثر الإقتصاد العالمي بالدّين الأميركي؟

تعتبر الأزمة المتعلقة برفع سقف الدين الأميركي “الأكثر صعوبة”، على حد وصف وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، التي حذرت، الاثنين، من أن الولايات المتحدة قد تتخلف على سداد ديونها، اعتبارا من الأول من يونيو، ما لم يرفع الكونغرس سقف الدين العام.

وتلقي أزمة رفع سقف الاقتراض الاتحادي الأميركية بظلالها على الاقتصاد العالمي، إذ حذر العديد من القادة أن تعثر الولايات المتحدة عن سداد ديونها يُشكل تهديدا “خطيرا للغاية” للاقتصاد العالمي، وفقا لما نقلته “رويترز”، الاثنين، عن تصريحات وزير المالية البريطاني، جيريمي هانت، للصحفيين.

وزعماء دول العالم، الذين تعاني بلدانهم بالفعل من التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، يواجهون الآن معركة رفع حد الديون الأميركية كأحدث المخاطر على مؤشراتهم الاقتصادية، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنل”.

وأوضحت الصحيفة في تقرير، الاثنين، أن المأزق في واشنطن بشأن رفع حد الاقتراض، البالغ 31.4 تريليون دولار تقريبا، يهيمن على سلسلة اجتماعات مجموعة الدول السبع والديمقراطيات المتقدمة، في مايو الجاري.

وفي اجتماع لوزراء مالية مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في اليابان، الأسبوع الماضي، ذكرت الصحيفة أن المسؤولين ناقشوا آفاق صفقة الحد من الديون بين الرئيس الأميركي، جو بايدن، ورئيس مجلس النواب، كيفين مكارثي، (الجمهوري عن كاليفورنيا)، إلى جانب موضوعات عالمية أخرى مثل العقوبات على روسيا وسبل مواجهة الصين.

وعلق وزير الخزانة البريطاني، جيريمي هانت، في نيجاتا باليابان، على الأزمة الأميركية، قائلا “إنها تشكل تهديدا خطيرا للغاية للاقتصاد العالمي”، وفقا لـ”رويترز”.

وأضاف هانت على هامش اجتماعات مجموعة السبع “سيكون أمرا مدمرا بكل تأكيد لو أن الناتج المحلي الإجمالي لأميركا، التي تعد أحد أكبر محركات الاقتصاد العالمي، خرج عن المسار من خلال عدم التوصل إلى اتفاق”.

ووفقا لـ”وول ستريت جورنل”، فإن بايدن، الذي سيتوجه إلى هيروشيما باليابان، في وقت لاحق من الأسبوع الجاري، للقاء قادة دول مجموعة السبع، يُجري حاليا مفاوضات مع مكارثي وغيره من قادة الكونغرس، لكنهم لم يتوصلوا إلى اتفاق حتى الآن.

ودعا الديمقراطيون إلى رفع حد الديون دون أي شروط أخرى تتعلق بالسياسة، بينما يضغط الجمهوريون من أجل خفض الإنفاق لزيادة حد الاقتراض.

ويناقش المسؤولون الأميركيون كلا من سقف الديون والحد الأقصى المحتمل للإنفاق، وذلك على أمل التوصل إلى صفقة ترضي الجانبين. واستمرت المحادثات خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، وقالت وزيرة الخزانة جانيت يلين إنها تعتقد في إمكانية أن تسفر عن اتفاق، حسبما ذكرت “رويترز”.

وأعرب بايدن، الاثنين، عن تفاؤله بشأن التوصل إلى اتفاق لرفع سقف الدين وتجنب التخلف عن السداد، وذلك في اجتماع مع زعماء بالكونغرس، الثلاثاء، وفقا لوكالة “فرانس برس”.

تأثير الأزمة الأميركية على العالم
يراقب العالم المحادثات الأميركية عن كثب، بحسب “وول ستريت جورنل”، التي أوضحت أن مسؤولي وزارة الخزانة في اليابان، الأسبوع الماضي، أطلعوا الحلفاء على وضع المفاوضات.

وقطعت يلين حضورها اجتماعات مجموعة السبع للعودة إلى واشنطن والعمل على قضية سقف الديون.

وبجانب الولايات المتحدة، تضم مجموعة الدول السبع كندا وإيطاليا والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا واليابان.

وذكرت شبكة “سي أن أن”، الاثنين، أن تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها، سيؤدي إلى تقويض الثقة في قدرة الحكومة الفيدرالية على دفع جميع فواتيرها في الوقت المحدد، ما يؤثر على التصنيف الائتماني للحكومة ويتسبب في اضطراب هائل في الأسواق المالية.

وأوضحت الشبكة أن الحكومة الفيدرالية تحتفظ بتصنيف ائتماني مثالي من وكالتي فيتش وموديز، لكن هذا قد يتغير مع استمرار المأزق.

ووفقا لـ”سي أن أن”، يهتم المستثمرون بالاستقرار والقدرة على التنبؤ، لذا فإن خفض التصنيف الائتماني من شأنه أن يؤثر سلبيا علي وول ستريت.

وأشارت الشبكة إلى أن بعض التوترات قد ظهرت بالفعل في الأسواق، إذ ارتفعت عائدات أذون الخزانة، في بداية يونيو، وهو الموعد الذي يمكن أن تستنفد فيه وزارة الخزانة السيولة والتدابير الاستثنائية.

وأوضحت أن تكاليف الاقتراض لمعدلات بطاقات الائتمان ومعدلات الرهن العقاري سترتفع، لأن ديون الولايات المتحدة تعمل كمعيار حاسم لأشكال مختلفة من الديون، وهذا يترك الأميركيين مضطرين إلى دفع مزيد للاقتراض، علاوة على رفع أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي.

ونظرا لأن المستثمرين في جميع أنحاء العالم ينظرون إلى ديون الحكومة الأميركية على أنها أصل آمن، فإن فشل الولايات المتحدة في دفع الفائدة على ديونها في الوقت المحدد قد يكون له تداعيات عالمية، وفقا لـ”وول ستريت جورنل”.

وإذا بدت سندات الخزينة الأميركية فجأة محفوفة بالمخاطر وأدى الأمر إلى عمليات بيع سريعة، فقد تصيب الفوضى الأسواق المالية العالمية، ما قد يُقلل بشكل دائم من شهية المستثمرين الأجانب لامتلاك ديون الحكومة الأميركية، بحسب الصحيفة.

ويقول بعض الاقتصاديين للصحيفة إن الولايات المتحدة معرضة لخطر الوقوع في ركود، العام الجاري، بعد أن رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بسرعة خلال العام الماضي لمكافحة التضخم. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2.8 في المئة العام الجاري.

وحذرت يلين أثناء وجودها في اليابان من أن التخلف عن السداد في الولايات المتحدة “سيخاطر أيضا بتقويض القيادة الاقتصادية العالمية للولايات المتحدة”، بحسب “رويترز”.

وأصدر مجلس البيت الأبيض للمستشارين الاقتصاديين تقريرا، في مايو الجاري، يوضح أن عدم سداد الولايات المتحدة لجميع فواتيرها في الوقت المحدد قد يؤدي إلى ركود عميق وزيادة معدل البطالة بمقدار 5 نقاط مئوية، وفقا لـ”رويترز”.

قادة العالم يترقبون قرار أميركا
قال صندوق النقد الدولي، الخميس، إن تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها سيكون له “تداعيات خطيرة للغاية” على الاقتصاد الأميركي وكذلك الاقتصاد العالمي، بما في ذلك ارتفاع تكاليف الاقتراض المحتملة، وفقا لـ”رويترز”.

وأضافت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، في تصريحات صحفية إن السلطات الأميركية بحاجة إلى توخي اليقظة بشأن نقاط الضعف الجديدة في القطاع المصرفي الأميركي، بما في ذلك البنوك الإقليمية، والتي من المتوقع أنها سترفع أسعار الفائدة بشك لكبير كوسيلة للتكيف مع الأوضاع الحالية.

وتحدث رئيس البنك الدولي، ديفيد مالباس، الجمعة، عن مخاطر تخلف الولايات المتحدة عن سداد مدفوعات الدين، قائلا إنها تُزيد من المشكلات التي تواجه الاقتصاد العالمي المتباطئ، مع ارتفاع أسعار الفائدة ومستويات الديون المرتفعة، التي تخنق بالفعل الاستثمارات اللازمة لتعزيز الإنتاج، بحسب “رويترز”.

وتعتبر اليابان أكبر حائز أجنبي للديون الحكومية الأميركية. وحذر حاكم بنك اليابان، كازو أويدا، خلال اجتماع وزراء مالية مجموعة الدول السبع الكبرى، من أن تخلف الحكومة الأميركية عن السداد “قد يكون من الصعب حله”. وسيكون التأثير الفوري على ما يقرب من 24 تريليون دولار من سوق الخزانة الأميركية، بحسب “وول ستريت جورنل”.

وأضاف أويدا: “أعتقد أن الحكومة الأميركية ستبذل قصارى جهدها لتجنب مثل هذا الوضع”.

وقالت وزيرة المالية الإندونيسية، سري مولياني إندراواتي، التي حضرت اجتماع مجموعة السبع، إن حالة عدم اليقين كل بضع سنوات حول ما إذا كان الكونغرس سيرفع حد الديون بدأ يقوض الثقة في الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، وفقا للصحيفة.

وأضافت في مقابلة: “بدأ العالم في التساؤل عما إذا كانت هذه مجرد لعبة تتكرر ويمكن حلها، أم أن العالم يجب أن يبدأ في تعويد نفسه على هذا النوع من المواقف. وبكشل عام، فإن هذا ليس جيدا للولايات المتحدة.”

وأوضحت سري مولياني، التي التقت بيلين في اليابان، الأسبوع الماضي، إن إندونيسيا تتجه نحو استخدام العملات المحلية في كثير من الأحيان في ترتيباتها التجارية في جنوب شرق آسيا، بدلا من استخدام الدولار، بحسب “وول ستريت جورنل”.

ونقلت الصحيفة عن وزير المالية البرازيلي، فرناندو حداد، الذي التقى أيضا بيلين في اليابان، قوله إنه لا ينبغي للبلدان الاعتماد على الدولار الأميركي في التجارة. ومع ذلك، قال حداد إنه ليس قلقا بشأن احتمال تخلف الولايات المتحدة عن السداد.(الحرة)